نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حملة الرسوم الجمركية لترامب: خطة أمريكا لعزل الصين - بلد نيوز, اليوم السبت 12 أبريل 2025 10:32 مساءً
في لعبة التجارة العالمية التي لا ترحم، تعود الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع الصين. غير أن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها، إذ دخل دونالد ترامب مجددا إلى الحلبة، ولكن بأسلوب أكثر حدة وصلابة، كاشفا بذلك نقاط ضعف خطيرة في البنية الاقتصادية الصينية، ودافعا ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو حافة التراجع.
المواجهة هذه المرة ليست مجرد سجال رقمي في جداول الرسوم الجمركية، بل معركة صبر ورؤية، وصراع على قواعد اللعبة في النظام العالمي. الصين قد تحتفظ بقدرات صناعية جبارة وسلطة مركزية قوية، إلا أن الولايات المتحدة باتت تمسك بزمام المبادرة، وتحرص على أن يراها الجميع كذلك.
الواقع الرقمي الصلب خلف هذا التصعيد واضح: الفائض التجاري الصيني مع أمريكا - الذي بلغ 300 مليار دولار - تحول من مكسب اقتصادي إلى عبء استراتيجي. حين فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 54% على المنتجات الصينية، مهددا برفعها لاحقا إلى 104%، لم يكن يناور، بل كان يبعث برسالة واضحة: انتهى زمن التجارة غير المتكافئة.
هذه الرسوم أصابت بكين في أكثر مناطقها حساسية. فالفائض المذكور يعني أن الصين تبيع للولايات المتحدة ثلاثة أضعاف ما تستورده منها. وبالتالي، فإن كل دولار تخسره أمريكا في هذه المواجهة، تخسر الصين مقابله ثلاثة، وهو واقع تحاول وسائل الإعلام التقليدية إغفاله أو التقليل من شأنه. لكن الأمر يتجاوز مجرد حماية السوق أو خفض العجز التجاري. فلسفة ترامب تستند إلى مبدأ بسيط لكنه عادل: المعاملة بالمثل. فالأسواق الأمريكية ظلت مفتوحة لعقود، بينما اعتمدت دول أخرى - حتى الحليفة منها - على رسوم جمركية ودعم حكومي يحمي مصالحها. تلك الترتيبات كانت منطقية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، لكنها لم تعد تخدم مصالح واشنطن في القرن الحادي والعشرين. أسلوب ترامب لا يقوم على العقاب بل على إعادة التوازن. رسالته للمجتمع الدولي واضحة: من يريد دخول السوق الأمريكية، عليه أن يلتزم بالعدل والمساواة. ونتائج هذه السياسة بدأت بالظهور. من أمريكا الجنوبية حتى جنوب شرق آسيا، بدأت الدول تتسابق لعقد اتفاقيات «صفر مقابل صفر» في الرسوم. حتى الاتحاد الأوروبي - المعروف بتعنّته في الملفات التجارية - بدأ يبعث بإشارات، ولو خجولة، تدل على استعداده للتفاهم. غير أن الصين تبقى حالة استثنائية. فبخلاف الأرجنتين أو فيتنام، الصين ليست شريكا تجاريا سهل المراس. إنها الخصم الجيوسياسي الأول للولايات المتحدة، على المستويين الاقتصادي والعسكري، بل وحتى الإيديولوجي. نظام لا يتورع عن المجاهرة بأفول أمريكا، ويعمل على تطوير أسلحة بيولوجية وسيبرانية، ويتبنى ممارسات تجارية غير عادلة بهدف السيطرة على الأسواق وابتلاع المنافسين.
ترامب يدرك ذلك جيدا. إنه لا يتفاوض مع خصم تقليدي، بل يمارس الضغط على نظام خرج عن قواعد اللعبة الدولية. على عكس الإدارات السابقة التي كانت تكتفي بالمحادثات البروتوكولية، فإن أدوات ترامب مباشرة، صلبة، وفعالة.
أما بالنسبة لشي جين بينغ، فالمعركة وجودية، فصورته الداخلية قامت على أساس مقاومة الضغوط الأجنبية، لا سيما الأمريكية منها. الانسحاب الآن تحت وقع هذا الضغط الاقتصادي، سيكون انتحارا سياسيا. إذ كيف لقائد صوّر نفسه على أنه «الثابت في وجه أمريكا»، أن يتراجع؟ هنا يتجلى المأزق الصيني: بكين محاصرة، ليس فقط برسوم جمركية، بل بروايتها الذاتية. فقد حبست نفسها في خطاب المواجهة، وحولت كبرياءها إلى نقطة ضعف استراتيجية. بينما تسارع أكثر من 70 دولة للتقارب مع واشنطن، تواصل بكين خطاب «المقاومة حتى النهاية»، وهو خطاب بات يعزلها ويجعلها أكثر هشاشة.
ولم يكتفِ ترامب بالضغط المباشر. بل وسّع رقعة المواجهة لتشمل الدول التي تستخدمها الصين كممرات تهريب للسلع، خصوصا في جنوب شرق آسيا. وفي حين كانت فيتنام سابقا مستفيدة من هذا المسار، بدأت الآن تسارع لعقد اتفاقيات مباشرة مع واشنطن، هربا من الوقوع في مرمى النيران. حتى ورقة الصين الأخيرة - السيطرة على المعادن النادرة - فقدت قيمتها. إذ بدأ ترامب بتنويع مصادر تلك المعادن، سواء من خلال عقود فورية أو استثمارات طويلة الأمد. وهو ما يفسر اهتمامه الملحوظ بمناطق مثل غرينلاند وأوكرانيا، الغنية بالثروات المعدنية غير المستغلة. صحيح أن وول ستريت ترتبك أمام التقلبات اللحظية، لكن ترامب لا يرى في هذا التصعيد أزمة، بل فرصة. «أحيانا لا بد من تناول الدواء من أجل الشفاء»، هكذا علّق ذات مرة، وهي عبارة تتردد اليوم على ضفاف السياسة الأمريكية. النتيجة أن شي جين بينغ يجد نفسه في زاوية ضيقة، بإمكانات محدودة، ومخاطر داخلية تتزايد. في المقابل يملك ترامب أوراقا استراتيجية كثيرة: حلفاء إلى جانبه، وخصوم على طاولة المحاسبة. ربما لا تنتهي المعركة غدا. لكنها في السياق التاريخي العام تبدو واضحة في ملامحها: هناك من يفرض الشروط، وهناك من يحاول اللحاق. هذه المرة أمريكا ليست في موقع الدفاع، بل تمسك زمام المبادرة، وتعيد رسم قواعد اللعبة.
0 تعليق