العطاء بين النُبل والاستغلال - بلد نيوز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العطاء بين النُبل والاستغلال - بلد نيوز, اليوم الخميس 10 أبريل 2025 08:18 صباحاً

النهايات البائسة الملطخة بخيبات الأمل ذات الطقوس الضبابية، وإرغام النفس على التقلب فوق لهيب العتب، وفرك أصابع الندم بعد إفاقة ضمير المحاسبة، وتشتت الفكر أثناء طرح الأسئلة الصامتة المفتوحة.

كل ذلك يورث عناء سحب الخيط الرفيع الملتهب من سحيق ذكرى مؤلمة حارقة للنفس.

لم يكن العطاء عيبا ولا الإيثار في ديوان العرف نقيصة ولا الإقدام والشهامة وتلمس حال الآخر غبنا.

في القواميس الثمينة، ومعاجم الآثار النفيسة التي انقرضت مع زمن بات يقدس الأخذ دون عطاء، وعقلية الفقر دون الثراء وتتويج الكذب على عرش الاستغلال، تنساب تلك الحكم المكتوبة بماء الذهب كقطرات ضئيلة هزيلة متفاوتة على أرض جفاف.

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه).

وعلى سياق الخير تأتيك مقولة (الأنهار لا تشرب ماءها، والثمار لا تأكل ثمارها، "فالعطاء سر الحياة").

أؤمن بأن الحياة في جوهرها عطاء، فمن أعطى زهرة فاحت يده بالعطر، ومن رزقه الله بذرة البذل عاش بجنة نعيم السخاء، ومن أذاب نفسه رحيقا بالإيثار فاح شذى ذكره وإن مات.

عقليات الندرة التي تهذي بالحاجة حتى ولو لديها خزائن قارون هم آفة مجتمعية مصابة بسعار الشكوى، وعيونها الحارقة هي قنابل مشتعلة لا تبقي ولا تذر.

تقمصت شخصيات الشح أفكار الغربان، وتلبست سواد التظليل متنكرة بزي يضمن استمرار مسلسل الخداع، وحاك الطمع خطط الدهاء في خفاء، وذلك بمكر الحاجة الخفي، فيسرقون بدموع الشكوى وسوء الحال الرغيف من الأفواه، ويعيشون في الظلال رغم امتلاء أعشاشهم.

أكاديمية الفقر لا تقتصر على تخصص المال وفروعه واستراتيجيات جمعه فحسب، بل تتنوع أقسامها، منها شح المشاعر، وضمور الوفاء، وعبوس الوجه، والتذمر، وجور الخصام الباطل، ونكران العشرة وتجريحها، والصعود على أكتاف الغير، وإجهاض سواعد الإنجاز، وتظليل خلفية الواقع بألوان قاتمة.

الطاقة المحيطة بسيئ الأخلاق سامة، وترددات الحاسد المؤذي قاتلة، وهالة الكاذب المتحايل طاردة.

الكون ممتلئ بالهبات الربانية، محكوم بتنظيم إلهي دقيق، يسير وفق منهج حياة متكامل.

هذا العالم الفسيح والكون مترامي الأطراف تضج كل ذرة جامدة فيه بالتسبيح، وكل خلية حية بالصلاة، كل قد علم صلاته وتسبيحه.

قال تعالى: ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات ۖ كل قد علم صلاته وتسبيحه ۗ والله عليم بما يفعلون (النور: 41).

وزن اهتزازات الإنسان وتردداته، وانسيابها بكل يسر، ليكون جزءا من كل، وحلقة متجانسة ضمن عقد طويل، في عالم واسع ينبض بالوفرة والحياة. يتحدد في مدى استعداد الشخص وقابليته للتغيير، وتوجيه العقل بأن يرجع البصر في عالمه الداخلي، ويتأمل بوعي باحث، رواكد الذات وترسباتها والعمل على تنظيفها بجهاد صابر واستمرارية عابد، وفق أنوار الهدى والشريعة الربانية.

إطفاء نيران الغضب بمزن العفو، ودحره بالاستعاذة من الشيطان، وتغيير الهيئة بالجلوس أو الاضطجاع مع تطهير الجسد بالوضوء مناهل شفاء لإزالة الداء بإذن الله.

تكبيل العين بقول ما شاء الله، والانشغال بالذات عن ما لدى الغير، وتأمل قوله تعالى (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا)، كلها شلالات نور تصب على غليان حسد الأرواح، فتطفئ سعيره، وتجعل لهيب الأذى بردا وسلاما.
الإيمان، التقوى، التوكل، الشكر، الإحسان، الصبر، البذل، العطاء، البر، مسارات ربانية تقود إلى الوفرة والبركة.

لا تجلد ذاتك على عطاء ضل طريقه، ولا تشعل فتيل الحسرة على بذل ذاب كمكعب ثلج في يوم صيف حار، ولا ترهق روحك بجر عربة تأنيب الضمير بسبب إحسان لم يصب هدفه، فأجرك محفوظ عند الله، وإحسانك شاهد على إيمانك، وهو القائل: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا (الكهف: 30).

أخبار ذات صلة

0 تعليق