بلد نيوز

محكمة العدل الدولية تفتح ملف حصار غزة.. خطوة رمزية أم بداية لتحقيق العدالة؟ - بلد نيوز

تبدأ محكمة العدل الدولية، الاثنين 28 أبريل/نيسان 2025، جلسات استماع تمتد على مدار خمسة أيام لبحث مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. فأكثر من أربعين دولة ستعرض مرافعاتها أمام المحكمة، في خطوة قانونية بدفع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعكس حالة الإحباط الدولي من صمت العالم أمام جرائم الاحتلال.

الاحتلال يقطع المساعدات ويتحدى القانون الدولي

منذ أكثر من 50 يوماً، لم تدخل أي مساعدات إلى غزة بعد أن خرق الاحتلال وقف إطلاق النار وفرض حصاراً شاملاً من جديد على أكثر من مليوني فلسطيني، الذين يعيشون تحت إبادة جماعية مستمرة تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلية بلا هوادة منذ أكثر من عام ونصف.

وتأتي الجلسات الحالية بناءً على قرار تبنته الجمعية العامة في ديسمبر/كانون الأول الماضي بطلب من النرويج، وتم التصويت عليه بأغلبية 137 صوتاً مقابل 12 صوتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن منع الاحتلال عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فضلاً عن عقبات إضافية واجهتها وكالات الأمم المتحدة الأخرى في عملها الإغاثي في غزة. فالاحتلال الإسرائيلي، بصفته دولة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة، ينتهك بذلك الحصانات والامتيازات التي يتعين على الدول الأعضاء منحها لهيئات الأمم المتحدة مثل الأونروا.


لا تقتصر مهام الوكالة على تقديم المساعدات للفلسطينيين فحسب، بل تُدير أيضاً خدمات طبية ومدارس في غزة والضفة الغربية والدول المجاورة. وقد أُغلقت بالفعل ست مدارس تابعة للأونروا في القدس الشرقية، وهو موضوع طعنٍ منفصل رفعته منظمة عدالة، وهي منظمة حقوقية فلسطينية، أمام محكمة محلية.

عناصر من جنود الاحتلال أمام إحدى مقرات وكالة الأونروا بغزة

ويدعم الادعاء القانوني للأمم المتحدة أكثر من 1500 قطعة من الوثائق، بما في ذلك إجراءات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة، ووكالات الأمم المتحدة التي تحدد نشأة الأونروا، ووضعها داخل هيكل الأمم المتحدة، واتفاقياتها التشغيلية لعام 1967 مع الاحتلال. وتُولي محكمة العدل الدولية، بصفتها أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن النزاعات بين الدول، أهميةً بالغةً لقرارات الأمم المتحدة. وستمثل الأمم المتحدة مستشارتها القانونية الجديدة، إلينور همرشولد، وهي محامية ودبلوماسية سويدية.

القرار طالب المحكمة بأن تصدر رأياً استشارياً يحدد ما يتعين على الاحتلال فعله لضمان تسليم المساعدات دون عوائق، وهي خطوة قانونية وإن كانت غير ملزمة إلا أنها تحمل ثقلاً معنوياً دولياً.

وسيستمع قضاة المحكمة الخمسة عشر إلى مرافعات ممثلي الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وأكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، بينها جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي. القضية المطروحة للنقاش تشمل شرعية ونتائج إجراءات الاحتلال ضد وكالة الأونروا، بالإضافة إلى التزاماته الأوسع باعتباره سلطة احتلال وعضواً في الأمم المتحدة.

وكالعادة، أعلن الاحتلال الإسرائيلي مقاطعته للجلسات، إذ صرح وزير خارجيته جدعون ساعر، بأن "إسرائيل لن تمثل أمام محكمة العدل الدولية في جلسات الأونروا"، مهاجماً السلطة الفلسطينية وداعميها الذين وصفهم بأنهم يقودون "هجوماً قانونياً" ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي موازاة ذلك، تلاحق قادة الاحتلال اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن الاحتلال وحلفاءه التقليديين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والمجر، يرفضون هذه الاتهامات.في الميدان، يتحكم الاحتلال وقادته المتهمون بجرائم حرب بشكل كامل بتدفقات المساعدات الدولية، والتي تعتبر حيوية لبقاء 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة الذي يعيش تحت أسوأ أزمة إنسانية عرفها.

ففي 2 مارس/آذار، منعت قوات الاحتلال تدفق المساعدات تماماً، قبل أيام من انهيار وقف إطلاق النار الهش. وقد وصف المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الوضع في القطاع بـ"مجاعة من صنع الإنسان وذات دوافع سياسية"، مؤكداً أن الاحتلال يستخدم التجويع كسلاح جماعي لإخضاع السكان. وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فقد نزح حوالي 500 ألف فلسطيني منذ استئناف حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع المحاصر في منتصف مارس/آذار.

في 18 مارس/آذار، جدد الاحتلال هجماته الجوية والبرية، ما دفع الأمم المتحدة لوصف الوضع بأنه "ربما يكون الأسوأ" منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أسفرت إلى اليوم عن استشهاد ما لا يقل عن 52,243 فلسطينياً في غزة، غالبيتهم من الأطفال والنساء، حسب أرقام وزارة الصحة في القطاع، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة. ومنذ 18 مارس وحده، استشهد ما لا يقل عن 2,111 فلسطينياً.

طفلة في قطاع غزة أثناء الحرب – الأناضول

وفي يناير/كانون الثاني 2024، كانت المحكمة قد دعت الاحتلال إلى منع أي أفعال محتملة للإبادة الجماعية، وإلى السماح الفوري بدخول المساعدات إلى غزة. ومع تفاقم الكارثة، طالبت في مارس/آذار 2024، بناءً على طلب جنوب أفريقيا، بتدابير إضافية لمواجهة المجاعة المنتشرة بفعل الحصار.

عبر هاريس هوريماغيتش، الباحث في معهد الدراسات العليا بجنيف، عن الإحباط الدولي بقوله: "الأطراف المنخرطة لم تُظهر التزاماً باحترام القانون الدولي". وأضاف أن "طلب الرأي الاستشاري يعكس الإحباط الواسع النطاق من عدم وجود حوار هادف لمعالجة الوضع الكارثي في غزة".

جدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو/تموز الماضي رأياً استشارياً، اعتبرت فيه احتلال الأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، وطالبت بإنهائه دون تأخير.

القانون الدولي بين إدانة الاحتلال وفعاليته المحدودة

تُجادل نورا عريقات، المحامية في مجال حقوق الإنسان وأستاذة الدراسات الأفريقية في جامعة روتجرز، في كتابها "العدالة للبعض: القانون وقضية فلسطين"، بأن القانون الدولي في مجمله قد ساهم في تعزيز الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي أكثر مما ساهم في إعاقته.

ويُشكّل الكتاب تدخلاً سياسياً حيوياً في النقاشات المعاصرة حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كما يُقدّم تاريخاً مُقنعاً للقرن الماضي يُروى من منظور نظرية قانونية نقدية. إذ ترى عريقات أن إدانة جرائم الاحتلال باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي هي مسعىً عقيماً في حد ذاته، وأن تحقيق الحرية الفلسطينية يستلزم بالضرورة مواجهة هيكل القوة الجيوسياسية الذي يُعطي للقانون الدولي معناه.

محكمة العدل الدولية/ الأناضول

ورغم أن عريقات تقدّم وصفاً عميقاً لكيفية نجاح القانون الدولي في خدمة مصالح الاحتلال، فإنها لا تلغي أهمية القانون تماماً في مسيرة التحرر الفلسطيني. ولتوضيح القيمة العملية للقانون، تستخدم عريقات استعارةً تُشبّه فيها القانون بشراع القارب، فتقول: "الشراع، أو القانون، يضمن الحركة لا الاتجاه. أما العمل القانوني، إلى جانب التعبئة السياسية التي تقودها الأفراد والمنظمات والدول، فهو الريح التي تحدد اتجاه السير". هذه "الريح"، بحسب رؤيتها، هي التي تجعل القانون يخدم الفلسطينيين بدلاً من أن يعمل ضدهم.

وللاستفادة من إمكانات القانون التحررية، تجادل عريقات بأنه "يجب توظيف القانون في خدمة حركة سياسية متطورة". وبينما قد تجذب استراتيجية قانونية بحتة الليبراليين الإجرائيين الذين يُقدسون القانون كمنقذ للمضطهدين، إلا أنها تفتقر إلى الجرأة لتحدي هيكل السلطة الذي "وضع الفلسطينيين خارج نطاق القانون". وحده مشروع سياسي جذري قادر على تحقيق ذلك.

ومن وجهة نظر عريقات، تقدم ثورات العالم الثالث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثالاً مهماً على ذلك، إذ نجحت في خلق سياق جيوسياسي جديد جعل مطالب الشعوب المضطهدة بالعدالة القانونية أكثر قابلية للتحقيق، قبل أن يتمّ سحقها لاحقاً عبر إعادة الهيكلة الإمبريالية التي مهّدت للعولمة النيوليبرالية.

وتشير عريقات إلى أن ضمان التزام إسرائيل الكامل بالقانون الدولي لا يعني بالضرورة تحقيق العدالة للفلسطينيين، إذ ترى أن القانون الدولي أصلاً لم يُصمَّم لهذا الهدف. لهذا، تنصح عريقات بـ"رفع الشراع"، أو القانون، "عندما يكون مفيداً، وإسقاطه عندما يكون ضاراً، ونسج شراع جديد كلما أمكن".

أخبار متعلقة :