وسط مجاعة شديدة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي طالت جميع سكان قطاع غزة٬ وفي ظل انتشار عمليات السطو المنظمة داخل القطاع من قبل عصابات مسلحة وبحماية من طائرات "كواد كابتر" الإسرائيلية٬ أعلنت وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة تشكيل قوة أمنية متخصصة لمواجهة هذه الظاهرة التي تستنزف السكان والنازحين٬ في ظل حرب مدمرة مستمرة منذ عام ونصف.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر مقربة من حركة حماس أن عناصر من الشرطة نفذوا "عمليات إعدام بحق عدد من الأشخاص المتهمين بالسرقة"، عقب سلسلة من الهجمات شنتها "عصابات مسلحة استهدفت متاجر للأغذية ومطابخ" في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة.
وذكرت الوكالة أن حماس وجهت اتهامات لبعض المشتبه بهم بسرقة المواد الغذائية بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ قرابة شهرين، في حين لم يصدر أي تعليق إسرائيلي على هذه الاتهامات حتى الآن.
داخلية غزة تعيد تشكيل القوة التنفيذية لتأمين الجبهة الداخلية
- كشفت مصادر في وزارة الداخلية بقطاع غزة لوكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" يوم الأحد 4 مايو/أيار 2025 أن الوزارة أعادت تشكيل قوة تنفيذية لملاحقة العصابات المسلحة٬ على غرار القوة التي تم إنشاؤها عام 2006 عقب أحداث الفوضى والفلتان الأمني ونجحت في القضاء على فوضى السلاح وبسطت الأمن في أرجاء القطاع.
- وأوضحت المصادر أن "قوام القوة التنفيذية الجديدة 5000 عنصر من الأجهزة الأمنية والشرطية كافة تم دمجهم ضمن إطار واحد لتأمين الجبهة الداخلية واستعادة الأمن والاستقرار٬ حيث ستباشر القوة فوراً في التعامل مع عصابات البلطجية واللصوص عملاء الاحتلال الذين حاولوا مؤخراً إحداث حالة من الفوضى من خلال السطو على بعض مخازن المساعدات والاعتداء على محال وممتلكات المواطنين".
- وتقول الداخلية إن "القوة المُشكّلة مفوضة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لبسط الأمن والنظام بما فيها استخدام القوة المفرطة في التعامل الميداني مع العصابات المنفلتة وإطلاق النار المباشر حتى لو أدى لإصابات أو قتل عدد من البلطجية واللصوص الذين ارتهنوا للاحتلال وتساوقوا مع مخططاته في القطاع".
- في الوقت نفسه٬ قالت مصادر أمنية في قطاع غزة لـ"عربي بوست" إن "ظاهرة السرقة في القطاع تنقسم لنوعين٬ الأول هناك سرقة بفعل المجاعة التي يفرضها الاحتلال على القطاع بحيث ينجر البعض وراء القيام بأعمال سرقات٬ لكن الحالة الثانية هي وجود مجموعات مسلحة يحركها ضباط إسرائيليون بهدف الفوضى٬ حيث يتم التواصل المباشر بين هؤلاء المجرمين وبين ضباط الاحتلال الذين يحرضونهم على مهاجمة مواقع مخازن المساعدات" لينفذوا هجمات منظمة عليها".
- وبالتالي٬ أضافت المصادر أن "قرار العودة لتشكيل قوة أمنية تنفيذية جاء لوقف الفوضى وملاحقة هذه العصابات"٬ مشيرة إلى أن قوامها سيكون "مختلطاً بين الأجهزة الأمنية ولجان شعبية من العشائر"٬ وذلك لمواجهة هذه العصابات التي تسطو على المساعدات الغذائية المستحقة للمواطنين.
كيف يحمي الاحتلال هذه العصابات المسلحة؟
- يمارس جيش الاحتلال متعمداً دور الحماية والتمهيد لعمليات السطو واللصوص، بهدف زعزعة الاستقرار والأمن في القطاع، ونشر الفوضى والفلتان الأمني٬ وسط تنفيذه جريمة تجويع سكان قطاع غزة منذ شهرين، في ظل خلافات إسرائيلية بشأن خطة توزيع المساعدات في القطاع، يستطيع الجيش من خلالها التحكم بها، ويستخدمها في حربه ضد الفلسطينيين.
- خلال الأسبوع الماضي٬ هاجمت عصابات مسلحة في قطاع مخازن لمؤسسة إغاثية تؤمن الغذاء للعشرات من المخيمات والنازحين. وبعدما تمكّن موظفو المؤسسة من حمايتها وصدّ هجوم العصابات، أغارت الطائرات المُسيّرة الإسرائيلية بأربعة صواريخ على الطاقم الإداري وفريق الحماية، ما تسبّب بارتقاء سبعة شهداء.
- وفي حادثة أخرى، هاجمت عصابة من اللصوص المسلحين مخازن تابعة لمؤسسات إغاثية في شارع الثورة غربي مدينة غزة فتصدّت لهم قوة شرطية؛ قبل أن تتدخل طائرات الاحتلال وتستهدف القوة ما أدى لاستشهاد عدد من أفرادها وإصابة آخرين٬ وسبق أن وقعت العديد من الأحداث المشابهة خلال الشهور الماضية من قبل بعض العصابات المتعاونة مع الاحتلال مستغلة حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع.
- وفي حادثة جديدة٬ قالت وزارة الداخلية في غزة إن طائرة إسرائيلية مسيّرة أطلقت يوم السبت 3 مايو/أيار صاروخاً استهدف وحدة من الشرطة كانت تلاحق "مجرمين" في مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة عدد من العناصر الآخرين.
- وأكدت الوزارة في بيان لها٬ أنها ستتعامل "بحزم مع هؤلاء الخارجين عن القانون، وستتخذ كل الإجراءات اللازمة لردعهم مهما كان الثمن، ولن تسمح لهم بالاستمرار في ترويع المواطنين وتهديد حياتهم ونهب ممتلكاتهم"، بحسب نص البيان.
- وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن "بعض المتهمين بعمليات النهب وتلقى بعضهم دعماً مباشراً من إسرائيل"، مؤكداً على تنفيذ عدد من "أحكام الإعدام ضد عدد من كبار المجرمين الذين ثبت تورطهم في عمليات النهب".
"يجب اعتبارهم متعاونين مع العدو"
- ولاقت عمليات السرقة للبسطات والمخازن والأسواق والتكيات، رفضاً واستنكاراً فلسطينياً، وفي ذات الوقت شكلت وعياً بين المواطنين، حيث تداعوا في مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بما يجري، وضرورة أخذ الحيطة والحذر من "هجمة منظمة بدوافع خفية".
- وشهدت بعض الأسواق عمليات سرقة من جماعات بزعم "الجوع"، في وقت تسلحت هذه المجموعات بأسلحة تقدر بآلاف الدولارات، لتنفيذ عمليات السرقة تحت تهديدها، وهو ما يؤكد أنها تعمل لأجندات احتلالية، بدعوى الجوع.
- وقال أحد سكان مدينة غزة لرويترز٬ ويدعى أحمد -فضّل عدم الكشف عن اسمه الكامل- إن "عصابات، بعضها مسلح بثّت الرعب في نفوس السكان"، مشيراً إلى أنها "لم تكتفِ بسرقة المواد الغذائية، بل عمدت إلى إيقاف المارة على الطرقات وسلب أموالهم وهواتفهم". وأضاف أحمد أن هؤلاء "يساعدون الاحتلال في تجويعنا، ويجب اعتبارهم متعاونين مع العدو".
- من جهته٬ يقول الناشط محمد هنية لوكالة صفا إن "ما يجري هجمة منظمة بدافع خفي، الهدف منه تسريع الهاوية في ظل المجاعة، وحرمان غزة مما تبقى من مخزونها الغذائي وهو ضئيل جداً. مضيفاً أن ما يجري من سرقات يتزامن مع تشديد الاحتلال لعدوانه وفق ما سيقرره غداً، وبالتالي الانتقال لمرحلة صفر طعام، والناس لا تجد ما تأكله، والجوع يذبحنا ببعضنا، والاستسلام لأي مخططات قادمة لها علاقة بآلية توزيع الطعام وفق شروط الاحتلال ومساراته".
- أما الناشط عبد الله سالم فيقول إن "من ينفذون عمليات السرقة هم المحتل نفسه، فما يجري هي الخيانة والذل والنفاق والدجل". ويضيف للوكالة الفلسطينية: "أنا من عائلة قدمت 183 شهيدًا، ومستعد أن نقدم مثلهم، ولا نتنازل ونخون لمصالح المحتل ولا أن نتعايش معه مثل هؤلاء الشرذمة"٬ على حد تعبيره.
"إسرائيل" تشدد المجاعة على القطاع والأمم المتحدة ترفض خططها لتوزيع المساعدات
- يأتي ذلك في وقت يحذر به مسؤولين في الأمم المتحدة من تفاقم الوضع الإنساني في غزة، مع استمرار منع إسرائيل دخول المساعدات للقطاع، حيث يقول الاحتلال إن "حماس تستولي على الإمدادات المخصصة للمدنيين وتقوم بتوزيعها على عناصرها"، وهو ما تنفيه الحركة بشكل قاطع.
- ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، أن قطاع غزة "قريب جداً من الهاوية"، واصفة الوضع الصحي في القطاع بالكارثي.
- وحذرت المسؤولة الأممية من تزايد المخاطر الصحية التي يواجهها السكان نتيجة عدم دخول أي مساعدات أو مستلزمات طبية منذ نحو شهرين بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل، وفق ما نقلته الوكالة. وأكدت هاريس أن الفلسطينيين في غزة يعانون من حرمان كامل من أساسيات الحياة، حيث يفتقرون إلى الغذاء والمياه النظيفة والمأوى، فضلاً عن عدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية.
- وفي وقت سابق، حذر برنامج الغذاء العالمي من نفاد المواد الغذائية في القطاع خلال أيام، بعد أن سلّم آخر مخزوناته من السلع الغذائية إلى المطابخ الموجودة في غزة.
- ويحاول الاحتلال الإسرائيلي صياغة خطة جديدة تتعلق بتوزيع المساعدات في قطاع غزة، في إطار تقويض حكم حماس، وضمان عدم وصول أي منها إلى أيدي الحركة، بحسب المزاعم الإسرائيلية. وقال وزير الجيش يسرائيل كاتس، إن المساعدات لن تدخل بالطرق السابقة، مضيفاً: "لأنها تعزز حماس، سيتم توزيع المساعدات عن طريق جنود الجيش أو شركات أمريكية"، ليرد عليه رئيس الأركان إيال زامير، بأن "الجنود لن يوزعوا المساعدات الإنسانية، ولن نجوع قطاع غزة"٬ بحسب ما نشرت صحيفة "معاريف".
- فيما أعرب وزير المالية بتسئليل سمتوريتش عن معارضته الشديدة لفكرة استئناف تقديم المساعدات إلى قطاع غزة، مهدداً بالاستقالة في حال تمت المصادقة على خطة توزيع المساعدات. كما انتقد وزراء آخرون خطط توزيع المساعدات الإنسانية، قائلين: "يجب أن يكون المبدأ هو منع حماس من السيطرة على المساعدات الموزعة، يجب توزيعها فقط في المناطق الخاضعة للسيطرة الكاملة للجيش".
- في المقابل٬ أعلنت الأمم المتحدة، يوم الأحد 4 مايو/أيار، أن كافة وكالاتها ومنظمات الإغاثة غير الحكومية العاملة في غزة وافقت على عدم التعاون مع الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع. وجاء في الإعلان أن "إسرائيل تسعى إلى استبدال آلية المساعدات الإنسانية بأخرى خاضعة لسيطرتها، وإجبار وكالات الأمم المتحدة على التعاون مع هذه الخطوة والعمل وفقا للشروط التي وضعها الجيش الإسرائيلي".
- واضاف البيان "أن الخطة المقدمة إلينا تعني أن أجزاء كبيرة من غزة، بما في ذلك الأشخاص غير القادرين على الحركة، ستظل بدون إمدادات غذائية.. وهذا يتناقض مع المبادئ الإنسانية الأساسية ويبدو وكأنه خطوة تهدف إلى استخدام المساعدات كوسيلة ضغط كجزء من استراتيجية عسكرية".
- وأكد الإعلان كذلك أن الآلية الإسرائيلية التي ستجبر الفلسطينيين على القدوم إلى مناطق القتال لجمع الغذاء ستشكل خطرا على حياتهم وتوسع نطاق النزوح القسري للمدنيين. وبالتالي٬ قال الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة: "لن نشارك في أي برنامج لا يتوافق مع المبادئ الإنسانية العالمية المتمثلة في الإنسانية والموضوعية والاستقلال والحياد".
أخبار متعلقة :