بلد نيوز

حتى المسيحيين الفلسطينيين لم يسلموا من إجرام إسرائيل.. تهديدات متواصلة وضغوط لتهجيرهم - بلد نيوز

فيما شكّلت وفاة البابا فرانسيس حدثاً عالمياً استدعى إرسال التعازي والمشاركة في جنازته، فقد اتخذت إسرائيل موقفاً مغايراً، كالعادة، حيث حذفت تعزيتها بوفاته، ومنعت التعبير الرسمي عن الحزن، وأصدرت تعليمات لبعثاتها الدبلوماسية بحذف أي منشوراتٍ حولها.

وقررت إسرائيل عدم إرسال ممثلٍ رفيع المستوى لحضور جنازة البابا، والاكتفاء بإرسال سفيرها لدى الفاتيكان، بزعم إدلاء البابا بتصريحات ضدها، ودعواته المتكررة لوقف العدوان على غزة، ووصفه وضعها بـ"المخزي"، ما دفع "المنتدى المسيحي في الأرض المقدسة" لإرسال رسالة احتجاج إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، معتبراً سلوكه تجاه وفاة البابا عدم احترامٍ للمسيحيين، وإساءة بالغة لهم.

وكشف هذا الحدث عن انتهاج سلطات الاحتلال سياسة عدائية ضد المسيحيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وباتت تأخذ أشكالاً متعددة، تدفعهم أخيراً للهجرة خارج بلادهم، تمهيداً لإفراغ الأراضي المحتلة من جميع الفلسطينيين: مسلمين ومسيحيين.

اعتداءات متواصلة وهجمات لا تتوقف

تزامن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المسيحيين مع بلوغ عددهم في إسرائيل، وفقاً لآخر إحصائية، 180 ألفاً، بما يعادل 1.8٪ من سكانها، بعد أن شكّلوا نسبة 10٪ من سكان فلسطين التاريخية، موزّعين على الأرمن والسريان والعرب والأقباط والأحباش، وطوائف الروم الأرثوذكس، الكاثوليك، اللاتين الكاثوليك، البروتستانت، والموارنة، لكن أعدادهم تناقصت بسبب السياسة القمعية الإسرائيلية ضدهم، وأخذت العديد من الأشكال والممارسات، أخطرها:

  • هجمات شرطة الاحتلال على المسيحيين المقدسيين، خلال أدائهم الطقس التعبّدي المسمى "انتظار النور المقدس"، وهو أقدس لحظة في التقويم المسيحي الأرثوذكسي، حيث منعتهم الشرطة من الوصول إلى موقع دفن المسيح وقيامته، وفق اعتقادهم.
  • إلقاء شبان يهود حجارة على ساحة دير "الملاك جبرائيل"، وترديد شتائم معادية للمسيحيين، ما يُمثل زيادة في جرائم الكراهية ضدهم.
  • قيام اليهود المتدينين بتخريب وإتلاف عدد كبير من شواهد القبور في المقابر المسيحية، وتخريب العديد من التماثيل في كنائسهم، ولم تُرمّم حتى اليوم.
  • اعتداء يهود متدينين على الكهنة المسيحيين قرب الكنيسة الأرمنية، وتهديدهم بالعنف، وشتمهم، كل ذلك أمام الكاميرات، والطلب منهم إزالة الصلبان عن صدورهم.
  • شنّ نشطاء اليمين اليهودي المتطرف عدة هجمات على مواقع مسيحية، ومنها إضرام النار في كنيسة الخبز والسمك الأثرية على ضفاف بحيرة طبريا، مُحدِثين أضراراً جسيمة فيها، وإحراق قاعة الصلاة، وكتب الإنجيل، وتضرّر الصلبان المرفوعة في فنائها، ورشّ كتابات كراهية على جدرانها.
  • إغلاق الشرطة لمواقع احتفالات المسيحيين بأعيادهم، خاصة "عيد الروح القدس" للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
  • خلال مراسم عيد "العنصرة" الكاثوليكي، قام عشرون يهودياً متشدداً بالسبّ ونفخ الأبواق لتعطيل المراسم المسيحية، ما دفع ممثلاً عن وزارة الخارجية الأمريكية، الذي حضر لمراقبة أمن المراسم عن كثب، للقول إننا "قلقون للغاية بشأن الحرية الدينية للمسيحيين في القدس".
  • أقدم يهود متطرفون على تحطيم نافذة ما تُعرف بـ"غرفة العشاء الأخير" للسيد المسيح عليه السلام، التي تشهد إقامة القُدّاس الاحتفالي.
  • تحطيم تمثال للسيد المسيح عند مداخل الكنائس، واقتحام كنيسة ستيلا ماريس في حيفا، مدّعين أنها قبر لقدّيس يهودي.
  • انتهاج أسلوب الكتابات العنصرية على جدران الكنائس والأديرة، مثل: "الموت للمسيحيين، يسوع ابن مريم الـ(…)، إرسال المسيحيين إلى جهنم، المسيحيون عبيد وقردة، الموت للعرب والأغيار، فليُمحَ اسم وذكرى يسوع".
  • تنفيذ اثنين من اليهود المتشددين عملية سطو على دير مسيحي في حي عين كارم، وتقييد راهبة بشريط لاصق، وإغلاق فمها، وسرقة كمية كبيرة من العملات الأجنبية من أموال الدير.

لماذا يبصق اليهود على غير اليهود؟

ربما يبدو العنوان مثيراً ولافتاً، لكنه جاء عنواناً لمؤتمر دولي شهدته القدس المحتلة في الآونة الأخيرة مع تفاقم ظاهرة بصق اليهود على المسيحيين، وهو مؤتمر عقدته الجامعة المفتوحة وجامعة حيفا ومعهد دراسات العلاقات اليهودية المسيحية الإسلامية.

لكن وزارة الخارجية قاطعته، رغم أنها الجهة المسؤولة عن العلاقات مع الطوائف المسيحية حول العالم، بزعم أن "اسم المؤتمر غير مناسب"، وقد رفضت بلدية القدس المحتلة انعقاده في فندق الملك داوود كما كان مقرراً، حيث استضافته قاعة مؤتمرات المعهد اللاهوتي للبطريركية الأرمنية.

وشاعت العادة المشينة المتمثلة بالبصق على الحجاج المسيحيين لدى قطاعات واسعة من اليهود المتشددين، وما يصاحبها من ترديد شعارات عنصرية، حتى أن أليشع يارد، المتحدث السابق باسم عضو الكنيست "ليمور سون-هار ميليش"، المتهم بقتل فلسطيني بقرية برقة، والعضو السابق في حزب "العصبة اليهودية" بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، برّر سلوكه المهين بقوله إن "البصق قرب الكهنة والكنائس عادة يهودية قديمة عريقة".

وقال إن هناك بركة خاصة في الشريعة عندما لا تصبر على من يمارسون عبادة الأصنام، وتعاقبهم فوراً، فملايين اليهود عانوا من الحروب الصليبية، وتعذيب محاكم التفتيش، ولن ننسى أبداً.

الغريب أن الحوادث الإجرامية ضد المسيحيين تحدث بينما توجد لدى الشرطة عشرات مقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات المراقبة المنتشرة في كل زقاق، وتوثّق كيف يقوم اليهود بالبصق عليهم وعلى مبانيهم الدينية، وباتت هذه العادة المشينة سلوكاً شائعاً لهم، بجانب رشّهم برذاذ الفلفل، وصولاً لمحاولة إنزال علم الكنيسة من على ساريته.

الكاهن اليسوعي ديفيد نيوهاوس، أكد أنه تعرض في السنوات الأخيرة لخمس مرات من الاعتداءات بالبصق والدفع والشتائم من قبل المتشددين اليهود، في إحداها تمتم له يهودي يرتدي زياً دينياً متشدداً: "أنتم العماليق، ارحلوا".

وأشارت الأوساط الكنسية إلى أن ما لا يقل عن 50٪ من مواكب أيام الجمعة الأرمنية تتم مقاطعتها عن طريق البصق أو الشتم أو السير عمداً خلال سير الموكب من قبل اليهود، وأصبح سلوك البصق في حالة تزايد وتكرار، على الأقل أسبوعياً هناك حادثة أو حادثتان!

وفيما شكّلت حوادث البصق والاعتداءات الجسدية والكتابات البغيضة والإذلال مجرد حوادث معزولة في السابق لمتطرفين يهود ضد المسيحيين، لكنها أصبحت منذ تولي الحكومة الحالية، ظاهرة تُقوّض الوجود المسيحي برمّته في الأراضي الفلسطينية، لأن هذه الإهانات والهجمات والمضايقات تُقابل بردّ فعل ضعيف أو صامت من الدولة، رغم تداعياتها العميقة.

وقد كشفت العديد من التطورات أن تصعيد اليهود المتدينين من الحريديم والمستوطنين لموجة المساس بالأماكن المقدسة للمسيحيين وتدنيسها في الآونة الأخيرة، والتعرض للرموز والشخصيات الدينية، وتنفذها بالعادة مجموعات "تدفيع الثمن" اليمينية المتطرفة التي لها تمثيل رسمي في حكومة الاحتلال وبرلمانها، وبالتالي فإن الاضطهاد اليهودي للمسيحيين يتم تشجيعه بإهمال الشرطة، أو بتصريحات وزراء الحكومة، لأن العديد من حوادث الاعتداء تحصل على مرأى من الشرطة، دون أن تحرّك ساكناً، وحين ينشب شجار بين المسيحيين واليهود تنحاز الشرطة وحرس الحدود على الفور بجانب المعتدين، وتعتقل المسيحيين.

الاستهداف الاسرائيلي الرسمي للمسيحيين برعاية حكومة اليمين

لا تعتبر الاعتداءات الوارد ذكرها أعلاه من اليهود المتطرفين على المسيحيين مُنقطِعة عن سياق أهم وأخطر، ويتمثل في تبنّي اسرائيل، دولة وحكومة وبرلمان وأجهزة أمنية، سياسة استعداء المسيحيين، ومضايقتهم، لتحقيق هدف يتجاوز الأذى الآني وصولا لتحقيق غاية أخطر وتتمثل بتهجيرهم من فلسطين، وإفراغها لصالح استقدام مزيد من اليهود. 

ولذلك فإن هذه المؤسسات الرسمية للدولة لا تتخذ خطوات للحدّ منها فقط، على العكس من ذلك، فإنها تُقلّل من خطورتها، وتزعم أنها حوادث فردية، ولا نُظهر اهتماما بشكاوى المسيحيين.

رغم أن من يمارسونها يُغطون أنفسهم بغطاء ديني حزبي، وفي النهاية تظهر حكومة الاحتلال هي الراعي الرئيسي لهم، بل إن رئيس الوزراء الأسبق موشيه شاريت، اعترف في مذكراته بأن "ضباط وجنود الجيش تعمّدوا خلال الحروب مع الفلسطينيين المسّ بمقّدسات المسيحية، وتحويلها لدورات مياه لقضاء حاجاتهم".

تستند الخلفية اليهودية في الاعتداء على الكنائس المسيحية وإحراقها لأحكام فقهية لمرجعيات دينية يهودية تزعم أن المسيحية من ضروب الوثنية، ولا يجوز السماح بوجود المسيحيين، ولا دور عبادتهم على أرض إسرائيل، بالتزامن مع اتساع رقعة الحاخامات اليهود الذين ينشرون فكراً ظلامياً في أوساط طلاب المدارس الدينية.

ويدعونهم، علانية، لاستهداف دور العبادة المسيحية والإسلامية، حتى أن بنتسي غوفشتاين رئيس حركة "لاهافاه" الدينية المتطرفة القريب من الائتلاف الحاكم، زعم أن لا مكان لعيد الميلاد في الأرض المقدّسة، داعياً لمنع الاحتفال به، وعدم السماح بموطئ قدم للتبشيرية المسيحية، معلنا "لنطرد مصّاصي الدماء من بلادنا قبل أن يمتصّوا دمنا مرّة أخرى"، قاصدا المسيحيين.

كما أن لقطات كاميرات المراقبة تُظهر أن من يهاجم المسيحيين يرتدون قلنسوات خاصة باليهود المتدينين، وشراشيب طقسية معقودة يرتدونها، مما يؤكد أن الهجمات تتم بدوافع دينية مُتعصّبة.

مركز روسينغ المتخصص بالسلام والحوار بين الأديان، رصد حوادث العنف الاسرائيلية ضد المسيحيين خلال 2024، ووثّق 111 هجومًا أو عملاً عنيفًا، شملت الاعتداء على رجال الدين المسيحي، وتخريب الكنائس والأديرة والرموز الدينية، وفي جميع الحالات، حصل الجُناة اليهود المنتمين لأحزاب وقوى التطرف الديني والقومي، على دعم معنوي من البيئة السياسية الحاكمة.

ولقد شكلت موجة الهجمات اليهودية على الرموز المسيحية، بما فيها رجال الدين والكنائس والأديرة والمقابر، نتاجا سامّا لهذه الحكومة اليمينية المتطرفة، بلغت ذروتها في مطالبة نائب رئيس بلدية القدس المحتلة، أرييه كينغ، المسيحيين بممارسة شعائرهم الدينية في الكنائس فقط، بل إن حاخامات كبارا يخوضون الصراع ضد المسيحيين، لأنه منذ تعيين العديد من الوزراء وأعضاء الكنيست المتطرفين، شهدت إسرائيل سباقا محموما لقمع أنشطة الديانات الأخرى، بما فيها المسيحية، بزعم أن "المسيحيين هم العدو المتحالف مع العدو المسلم"!

ووصل سجلّ الاستعداء الحكومي الاسرائيلي الرسمي للمسيحيين ذروته حين منعت الشرطة ثلاثة آلاف مسيحي قدموا من الخارج من تسلّق "جبل طابور" ضمن احتفال ديني اعتيادي، مع أن سياحة الحج المسيحي تُسهم بثلاثة مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل سنوي. 

تقييد أعداد الحجاج المسيحيين إلى كنيسة القيامة

وفيما أسفرت القيود الإسرائيلية على الحجاج المسيحيين الفلسطينيين عن الحدّ من أعداد الراغبين في زيارة كنيسة القيامة من 11 ألفاً إلى 1800 فقط، فإن الاحتلال يواصل حرمان مسيحيي الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إلى القدس المحتلة، للمشاركة في إحياء أعيادهم الدينية.

الغريب أن العشرات من حالات التعرّض والإيذاء للمسيحيين يقوم بها يهود متطرفون، وتنتهي دون تدخل الشرطة التابعة لابن غفير، ما يكشف عن ضعف احتمالية الملاحقة القضائية، وإفساح المجال لتكرارها، مع أنه ذاته عمل محامياً في السابق للدفاع عن اليهود المتطرفين الذين يهاجمون المسيحيين، فماذا نتوقع منه عندما يكون المسؤول الأعلى رتبة في المعادلة الأكثر تطرفاً، خاصة أن منظمة "عير عميم" المتخصصة بشؤون القدس وجّهت العديد من الرسائل إلى بلدية المدينة والجهات الشرطية لوضع حدّ لهذه الاعتداءات، دون جدوى.

إحدى شكاوى المسيحيين أنهم لا يجدون أحداً في الدولة يتابعها، ففي الماضي، كانت إدارة كاملة في بلدية القدس تُعنى بالعلاقات معهم؛ لكن تم إغلاقها، ورغم الطلبات العديدة المقدَّمة من جهات مسيحية عالمية، فلم تُصدر بلدية القدس بياناً يُدين حالات العنف ضد المسيحيين في المدينة، حتى إن بطريرك اللاتين في القدس، المطران بيير باتيستا بيتسابيلا، أكد أنه لا يستطيع التقاء الوزراء وكبار مسؤولي الاحتلال، بل يضطر للتحدث مع مسؤولين من رتب أدنى، لأن الوزراء لا يريدون إغضاب ناخبيهم المتشددين.

وقد أكده رئيس دير البينديكتين في القدس، نيقوديموس شنابل، بقوله إن تزايد الاعتداءات على المسيحيين من قبل اليهود "لأن من يكرهوننا أصبحوا الآن في الحكومة".

وفيما غرّد نائب المدير العام للدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، إيمانويل نحشون، مُديناً ظاهرة البصق على المسيحيين، فإنه سارع لحذف التغريدة بعد ساعات، بناءً على تعليمات من مكتب الوزير نظراً للحساسية السياسية تجاه الأحزاب اليهودية المتطرفة واليمينية في الائتلاف الحكومي.

تشريعات عنصرية وقوانين تمييزية وفتاوى ظلامية

في الوقت ذاته، تمارس الحكومة الإسرائيلية مضايقات تتعلق بفرض مزيد من الضرائب المُطبقة على المسيحيين، وتوجد حالياً العديد من النزاعات القانونية بينهما، وفي مقدمتها حراسة الأراضي المقدسة، كما ينطبق الأمر نفسه على حقوق الملكية للعقارات المسيحية.

وقد أوقفت الحكومة إصدار تأشيرات لرجال الدين المسيحيين القادمين من الخارج، ما يهدد استمرار نشاطهم، ويُمثّل تحولاً حاداً في السياسة الإسرائيلية، التي تواصل إقحام نفسها في المسائل المسيحية الداخلية، والتدخل في تعيينات رجال الدين لفصلهم عن أشقائهم من فلسطينيي 48 من المسلمين وباقي الطوائف، لأسباب سياسية واضحة.

وتشترط حصول المسيحيين على حقوقهم بالتخلي عن هويتهم العربية الفلسطينية، وهو سلوك استفزازي يهدف إلى المساس بتاريخهم الوطني، وانتمائهم إلى ذات القيم والهوية التي يتشاركون فيها مع باقي الفلسطينيين، بدليل انخراطهم في الحركة الوطنية منذ وقت مبكر، وقيادتهم للعديد من نشاطات المقاومة.

كما بذلت إسرائيل جهوداً استثنائية لفرض التجنيد العسكري الإلزامي على المسيحيين، بمُسمى "التطوع للجيش"، ما استجلب ردود فعل غاضبة داخل الطائفة، ورفض المساهمة في تزويد جيش الاحتلال بالطاقة البشرية التي يستخدمها في حصار وقتل أبناء شعبهم في الضفة والقدس وغزة.

وفي خطوة غريبة، قدم أعضاء كنيست من حزب "يهودوت هتوراه" الديني، الشريك في الحكومة، برئاسة الحاخام موشيه غافني، مشروع قانون في الكنيست يعتبر الأنشطة التبشيرية المسيحية في إسرائيل جريمة جنائية، ويفرض العقوبة بالسجن عاماً كاملاً لمن يقوم بها، وبعد الضجة العالمية الواسعة، اضطر نتنياهو للتراجع عنه.

وتواصل الجماعات اليهودية المتطرفة، خاصة جمعية عطيرت كوهانيم الاستيطانية، جهودها للاستحواذ على عقارات استراتيجية في الحي المسيحي، غالباً باستخدام صفقات سرية، وأساليب التهديد والترهيب، لطرد المسيحيين من منازلهم، وتقليص أعدادهم.

مصادرة الأملاك المسيحية وفرض الضرائب على الكنائس

فيما طالبت بلديات القدس وتل أبيب والناصرة عشرات الكنائس المسيحية بدفع ضريبة الأملاك، ما دفع رؤساء الكنائس الكبرى لإرسال رسالة حادة وغير مألوفة إلى نتنياهو، حذّروه فيها من أزمة متوقعة تواجه العالم المسيحي بأسره.

ولم يسبق أن تم الطلب من الكنائس دفع هذه الضرائب، وبالتالي يمكن اعتبارها جزءاً من الحملة الإسرائيلية ضد المسيحيين، لأنها تنتهك القانون الدولي، وتُفاقم صعوباتهم الاقتصادية.

في الوقت ذاته، تهدف الخطة الاستيطانية التي قدّمها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لربط الكتلة الاستيطانية غير القانونية في غوش عتصيون بالقدس المحتلة، لتعبيد الطريق أمام التعدّي على الأراضي الفلسطينية، بما فيها القرى المسيحية.

ولا تقتصر الخطة على تهجير سكانها فحسب، بل تُغيّر أيضاً هويتها الدينية والثقافية، لأن وادي المحرور، المعقل المسيحي النادر، مُعرّض لخطر الاختفاء بسبب التوسع الاستيطاني، ما يشير إلى تواطؤ الحكومة في استراتيجية أوسع نطاقاً للتهجير القسري والهندسة الديموغرافية للقضاء على الوجود المسيحي في فلسطين.

ولم يتردد القادة المسيحيون الفلسطينيون في تشبيه السياسات الإسرائيلية ضدهم بالقوانين المعادية للسامية التي سُنَّت ضد اليهود في أوروبا، ومنها إصدار التشريعات الخاصة بمصادرة أراضي الكنائس، وتجميد أصولها، وإلزامها بدفع ضرائب غير قانونية، وأوامر بوضع اليد على ممتلكاتها، وحساباتها المصرفية، بسبب ديون مزعومة، مع أن المؤسسات الدينية كانت معفاة من الضرائب في جميع المراحل العثمانية والبريطانية والأردنية.

تهجير المسيحيين خارج فلسطين، وإفراغها لصالح المستوطنين اليهود

أكدت القيادات المسيحية في الأراضي الفلسطينية، خاصة اللاتينية والسريانية الأرثوذكسية والآرامية والقبطية واليونانية والكاثوليكية، في بيان رسمي، أن الإجراءات الإسرائيلية المتلاحقة ضدهم تكشف عن محاولة لطردهم، وأعرب مجلس الكنائس العالمي، الذي يُمثّل 349 كنيسة، عن دعمه لهم، وأيّدته منظمة "كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط"، ونشر موقع "أخبار الفاتيكان" مقالاً يدعمه، فيما كتب الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأماكن المقدسة في الأرض المقدسة، أن "وجودنا هش، ومستقبلنا في خطر".

وأصبحت حياة المسيحيين في هذه البلاد خلال السنوات الأخيرة "لا تُطاق"، بسبب الجماعات المحلية ذات الأيديولوجية المتطرفة، وهدفها تطهير البلدة القديمة في القدس من المسيحيين، وسط فشل السياسيين الإسرائيليين وسلطات إنفاذ القانون في كبح جماح التصرفات التي تُضايق المسيحيين بانتظام، وتهاجم الكهنة ورجال الدين، وتُدنّس الأماكن المقدسة وممتلكات الكنائس.

وتسببت الاعتداءات اليهودية المتلاحقة ضد المسيحيين في انتشار دعوات الهجرة من الأراضي المحتلة، وتأكيد 60٪ منهم رغبتهم في الانتقال إلى بلد آخر، واعتراف 80٪ بتعرضهم للعنصرية والتمييز على أساس دينهم، ومرور 42٪ منهم بمواقف أخفوا فيها هويتهم الدينية، ووصل الأمر بالعديد منهم إلى إخفاء الصليب خلال جولاتهم الميدانية خشية تعرضهم للاعتداء من المتدينين اليهود، ما دفع برئيس أساقفة كانتربري (رئيس الكنيسة الأنجليكانية) جاستن ويلبي، ورئيس أساقفة القدس الأنجليكاني حسام نعوم، للتأكيد على أنه عندما يتحدثون إلى المسيحيين الفلسطينيين في القدس، فإنك تسمعهم في كثير من الأحيان يقولون بأسف: "بعد 15 عاماً لن يتبقى أحد منا".

وقد أدّى تزايد وتيرة الهجمات اليهودية ضد المسيحيين إلى شعورهم بأنهم غير محميين، وأن المناخ الثقافي والسياسي الحالي يُبرّر ويتغاضى عنها، والشرطة لا تأخذ شكاواهم على محمل الجد؛ والمهاجمون يشعرون بالحماية والدعم من الحكومة، وكلها معطيات تؤكد السياسة الإسرائيلية المُمنهجة لطرد المسيحيين من فلسطين.

أخبار متعلقة :