بعد نحو 19 شهراً من الحرب على قطاع غزة، اتخذت الحكومة الإسرائيلية خطة لتوسيعها أطلقت عليها اسم "مركبات جدعون"، وتتضمن احتلالاً للقطاع، وبقاء الجيش في كافة المناطق التي يسيطر عليها، وتأتي ضمن سلسلة خطط سابقة فشلت في تحقيق هدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"تحقيق النصر على حركة حماس".
وتثير خطة توسيع الحرب على قطاع غزة مخاوف الأوساط الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية التي تعاني الإرهاق والاستنزاف، وسط أزمة جنود الاحتياط والنقص في القوة البشرية في صفوف القوات النظامية.
ولا تُعد عملية "البرية "مركبات جدعون" الأولى في قطاع غزة، فقد سبقها عمليات للجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق قطاع غزة، فشل فيها في تحقيق هدف القضاء على منظومة حركة حماس.
وفي كلمة متلفزة، قال نتنياهو إن العملية العسكرية التي تمت المصادقة عليها جاءت بناء على توصية رئيس الأركان إيال زامير، لكن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن هناك خلافاً واضحاً بين المستوى السياسي الذي يركز على "الانتصار"، والمستوى العسكري الذي يرى أن "الهدف الأهم للعمليات في غزة هو استعادة الأسرى".
ما هو الهدف من عملية "مركبات جدعون" في قطاع غزة؟
وفي تصريحه، قال نتنياهو إن "توصية رئيس الأركان تقضي بهزيمة حماس، ويعتقد أنه في الطريق سيساعد ذلك على إطلاق سراح المختطفين (الأسرى)، وأنا أتفق معه في هذا".
وبذلك ينضم نتنياهو إلى وزراء كبار في حكومته، أبرزهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي سبق وأكد أن استعادة الأسرى ليست الهدف الأهم للحكومة مقارنة بالقضاء على حماس.
وبحسب التصريحات الإسرائيلية، فإن العملية العسكرية الجديدة في قطاع غزة "مركبات جدعون" هدفها:
- الضغط على حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
- إلحاق ضرر كبير بالقدرة العسكرية والحكومية لحركة حماس.
لكن المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل شدد على أن الهدف من العملية العسكرية الجديدة "مركبات جدعون" سياسي بامتياز لأسباب عدة:
- استمرار القتال على جبهات عدة يساعد نتنياهو على الحفاظ على ائتلافه، وهذا الأمر أكثر أهمية من حياة الأسرى الإسرائيليين.
- تبدأ مرحلة الاستجواب في محاكمة نتنياهو مع نهاية الشهر الحالي، وهو ما يسبب له انزعاجاً شديداً.
- عدم سماح ترامب لنتنياهو بشن هجوم على المواقع النووية الإيرانية.
ما هي مراحل عملية "مركبات جدعون" الإسرائيلية في غزة؟
ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن العملية العسكرية تتكون من ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: الاستعدادات، وقد بدأت بالفعل. وستستمر لمدة 10 أيام على الأقل، حتى ينهي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارته إلى الشرق الأوسط، وتتضمن تجهيز منطقة رفح لنقل الفلسطينيين إليها خلال المرحلة الثانية.
- المرحلة الثانية: إطلاق النار التحضيري من الجو والبر، ونقل معظم السكان إلى منطقة رفح، وتقريب العديد منهم من المعابر الحدودية مع مصر وشاطئ البحر، لتحقيق خطة ترامب للتهجير.
- المرحلة الثالثة: عملية برية موسعة لاحتلال أجزاء من القطاع تدريجياً، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد هناك.
ويشير نتنياهو إلى أن العملية البرية الجديدة "مركبات جدعون" ستختلف عن سابقاتها، قائلاً: "لن نرسل قوات الاحتياط للسيطرة مؤقتاً على الأرض، ثم نغادر ونكتفي بمداهمات محدودة لما تبقى من القوات هناك. هذا لن يحدث. بل العكس تماماً هو ما نخطط له".
ما هي المخاوف الأمنية والاقتصادية من عملية "مركبات جدعون"؟
لكن الخطة الإسرائيلية "مركبات جدعون" تواجه معارضة كبيرة، لا سيما من عائلات الأسرى الإسرائيليين، وعائلات جنود الاحتياط، ومنظمات الإغاثة، والأمم المتحدة، إلى جانب أنها تثير المخاوف لدى المؤسسة الأمنية.
أولاً: مخاوف أمنية
وبالإشارة إلى تصريحات نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، فإن الهدف هو تفكيك حركة حماس، فيما ناقض ذلك المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد إيفي دوفيرين، وقال في تصريحات صحفية إن الهدف "زيادة الضغط على حماس من أجل دفعها إلى المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى".
وتؤكد عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين تعلموا من تجارب سابقة، أن الضغط العسكري يؤدي إلى مقتل الأسرى المتبقين، وأن الصفقات هي الطريقة الوحيدة لاستعادتهم، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وذكرت صحيفة "هآرتس" أن المؤسسة الأمنية تخشى أن تحاول حركة حماس إخفاء جثث الأسرى الإسرائيليين في حفر وأماكن يصعب على الجيش والشاباك تحديدها.
ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" إن حكومة نتنياهو تتحدث عن خيالات سيكون من الصعب للغاية تحقيقها، مؤكداً أن العملية العسكرية "مركبات جدعون" قد تؤدي إلى مقتل المزيد من الأسرى الإسرائيليين.
وأشار إلى أن العملية العسكرية الجديدة قد تتسبب في مقتل المزيد من الجنود الإسرائيليين، وقد يحاول الجيش تقليل خسائره، وسيلجأ إلى إطلاق نار عدواني يؤدي إلى إلحاق أضرار واسعة بالبنية التحتية المدنية المتبقية في قطاع غزة.
فيما يقول المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" آفي اشكنازي، إن العملية الأولى التي قادها الجنرالات الجدد، قائد المنطقة الجنوبية اللواء يانيف آسور، ورئيس الأركان إيال زامير، والتي حملت اسم "العزة السيف"، فشلت في تحقيق هدفها المنشود.
وشكك أشكنازي في نجاح عملية "مركبات جدعون"، والسبب هو غياب استراتيجية سياسية لـ"اليوم التالي"، فليس هناك أي إجماع على المستوى السياسي بشأن النتائج المرجوة، كما لا توجد خطة واضحة للقوات بشأن ما هو مطلوب منها فعلياً.
وأشار إلى أن وزير الجيش ورئيس أركانه، وقادة المؤسسة الأمنية، يدركون حالة الجيش الإسرائيلي بعد أكثر من عام ونصف من القتال على سبع جبهات، واستنزاف جنود الاحتياط والنظاميين وأسلحة الحرب.
ثانياً: المخاوف الاقتصادية
كما أن توسيع الحرب وتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط قد يؤدي قريباً إلى فرض زيادات ضريبية على الإسرائيليين، وذلك بسبب التكلفة الباهظة المترتبة على العودة إلى الحرب، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وأعرب مسؤولون في وزارة المالية عن مخاوفهم من أنه سيكون من الضروري إجراء تخفيضات كبيرة للغاية في ميزانيات جميع الوزارات الحكومية، مما يعني تأثيراً شديداً في تقديم الخدمات.
كما لا يُستبعد فرض زيادات ضريبية جديدة، خاصة تلك التي لم يتم إقرارها في موازنة الدولة للعام الجاري.
وتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط لفترات طويلة سوف يكلف الكثير من الأموال، الأمر الذي يتسبب في ضرر للنمو الاقتصادي.
وتظهر البيانات أن يوم القتال في الجيش الإسرائيلي، الذي انخفض مؤخراً بسبب تقليص النشاط العملياتي في قطاع غزة وتعبئة أقل من جنود الاحتياط، وصل إلى نحو 80 مليون شيكل، وقد يقفز إلى ربع مليار شيكل أو حتى أكثر عندما يتم تعبئة المزيد من فرق الاحتياط ونشر قوات على مناطق واسعة جداً في القطاع.
وتشير تقديرات المؤسسة الأمنية إلى أن العودة إلى الحرب الشاملة ستتطلب زيادة في ميزانيات الجيش قد تصل إلى 15 مليار شيكل، وربما أكثر.
وأعرب مصدر إسرائيلي عن قلقه إزاء الأضرار الهائلة التي قد تلحق بالاقتصاد في حال غياب ما بين 30 إلى 50 ألف جندي احتياطي عن أعمالهم ودراستهم في مؤسسات التعليم العالي.
وفي حال فرض تكلفة إضافية تتراوح بين 10 و15 مليار شيكل، فسيكون من الضروري زيادة عجز الموازنة من 4.9% إلى 5.1% على الأقل، وخفض ميزانيات المشتريات للوزارات الحكومية بنسبة 3.5% أخرى.
كما أعرب مسؤول اقتصادي إسرائيلي كبير عن قلقه من أن توسيع نطاق الحرب، إلى حد تحديد هدف احتلال قطاع غزة بالكامل، من المرجح جداً أن يؤدي إلى تخفيضات إضافية في التصنيف الائتماني، بعد التخفيضات الثلاثة الكبيرة في عام 2024.
وقال عضو الكنيست فلاديمير بيلياك عن كتلة "هناك مستقبل"، إن قرار الحكومة بشأن التعبئة الواسعة لجنود الاحتياط سيؤدي إلى انهيار ميزانية الدولة لعام 2025، والتي تمت الموافقة عليها قبل شهر ونصف فقط.
وأضاف لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن قرار مجلس الوزراء بشن عملية "مركبات جدعون" اتُّخذ دون مناقشة معمقة للعواقب الاقتصادية لهذه الخطوة.
وأشار إلى أن 20% من جنود الاحتياط يعملون فقط في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يُعد المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، وتجنيدهم سيؤدي إلى انخفاض كبير في إيرادات الدولة في وقت لاحق من هذا العام.
فيما شدد رئيس معهد المحاسبين القانونيين المعتمدين في إسرائيل تشين شرايبر على أن تجدد الحرب بكثافة كبيرة من شأنه أن يجر الاقتصاد إلى النمو الصفري.
أخبار متعلقة :