الجمعية العمومية في الجمعيات الأهلية: صوت العضو لا ختم المجلس - بلد نيوز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجمعية العمومية في الجمعيات الأهلية: صوت العضو لا ختم المجلس - بلد نيوز, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 09:12 مساءً

في قلب كل جمعية أهلية، توجد الجمعية العمومية بوصفها الكيان الأهم والأعلى سلطة داخل المنظومة التنظيمية. فهي ليست مجرد اجتماع سنوي يُعقد لغرض التصويت ثم يُطوى ملفه حتى إشعار آخر، بل هي حجر الأساس الذي تُبنى عليه شرعية الجمعية وفاعليتها، والضمان الحقيقي لحسن إدارتها واستمرارها في خدمة رسالتها المجتمعية.

يخطئ كثيرون حين ينظرون إلى الجمعية العمومية كأداة شكلية أو إجراء روتيني يجب المرور به لإكمال المتطلبات النظامية، وكأنها أداة اعتماد جامدة في يد مجلس الإدارة يلوّح بها متى شاء ليضفي على قراراته صبغة "الشرعية". هذه النظرة تختزل دور الجمعية العمومية بشكل مخل وتفرغها من محتواها الجوهري كمساحة حقيقية للمشاركة، وكمظلة رقابية تضمن اتزان القرار داخل الجمعية.

الحقيقة أن الجمعية العمومية تمثل قاعدة الأعضاء، وهم في الأصل يمثلون المجتمع الذي يعتبر مالك الجمعية الحقيقي، وهي المنبر الذي ينبغي أن تُعرض فيه الرؤية، ويُناقش فيه الأداء، وتُساءل فيه القيادة التنفيذية ومجلس الإدارة. إن دور الجمعية العمومية يتجاوز بكثير مجرد المصادقة على التقارير المالية والإدارية أو انتخاب أعضاء المجلس؛ إنها الجهة التي تملك صلاحية مراجعة اتجاهات الجمعية، وتعديل مسارها متى لزم الأمر، ومحاسبة من أُسندت إليهم القيادة إن قصروا أو أخلّوا بواجباتهم.

وهنا تبرز أهمية أن يعي عضو الجمعية العمومية حجم المسؤولية المرتبطة بصوته، خصوصا حين يتعلق الأمر باعتماد التقرير المالي للجمعية. فالموافقة على التقرير المالي ليست خطوة شكلية، بل تعني إقرارا بالسلامة المالية والإدارية لما جرى خلال عام كامل. ومن هنا، فإن من الواجب على كل عضو أن يقرأ التقرير المالي بدقة، ويستوضح الغموض، ويتحقق من أوجه الصرف، وأن يسأل عما يراه غير واضح.

وتزداد أهمية ذلك عندما يتعلق الأمر بالتبرعات المشروطة من قبل المتبرعين، إذ إن احترام شرط المتبرع وعدم تجاوز ما خصصه من أوجه صرف يمثل التزاما شرعيا ونظاميا وأخلاقيا، يتصل بذمة الجمعية وذمم القائمين عليها، ولا يجوز بحال من الأحوال التساهل أو الالتفاف على تلك الشروط، فالمال ليس عاما بالمطلق، بل قد يكون مخصصا لغرض معين، وأي انحراف عن شرط المتبرع يُعد إخلالا بالأمانة، ويجب أن يكون محل مساءلة داخل الجمعية العمومية.

ولا تقتصر المشاركة الفعالة على هذا الجانب فقط، بل تشمل الاطلاع المسبق على الوثائق والتقارير، وطرح الأسئلة، وتقديم الملاحظات، والمساهمة في توجيه النقاش نحو القضايا الجوهرية. فالجمعية العمومية ليست جمهورا يستمع ويصفق، بل كيان له صوت مؤثر وحق أصيل في الاعتراض والنقد والمساءلة.

وفي هذا السياق، فإن من الواجب على مجلس الإدارة - إن كان حريصا على الحوكمة الرشيدة - أن ينظر إلى الجمعية العمومية كشريك في النجاح، لا كخصم محتمل أو مصدر إزعاج. ينبغي عليه أن يتيح للأعضاء كامل المعلومات اللازمة لفهم الواقع الإداري والمالي للجمعية مع إعطاء مساحة الوقت الكافية ليتمكن العضو من الاطلاع والدراسة والمراجعة، وأن يهيئ الاجتماعات بما يكفل النقاش البنّاء واتخاذ القرار الجماعي الواعي، بعيدا عن العبارات المنمقة أو التقارير الشكلية.

كما أن تمكين الجمعية العمومية لا يتم فقط من خلال عقد الاجتماعات، بل يبدأ منذ لحظة انضمام العضو للجمعية، من خلال توعيته بدوره وصلاحياته، وتوفير قنوات دائمة للتواصل معه، وبناء ثقافة داخلية تُعلي من قيمة المشاركة والمساءلة. فكلما كانت الجمعية العمومية فاعلة، كلما ازدادت الجمعية قوة واستقرارا ووضوحا في توجهها وأهدافها.

إننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار للجمعية العمومية، لا بوصفها إجراء نظاميا يُنجز مرة في العام، بل كجهاز حي نابض يعكس ضمير الجمعية، ويحميها من التفرد والانحراف، ويعزز من شرعيتها أمام أعضائها والمجتمع ومموليها. إن قوة الجمعية العمومية لا تُقاس بعدد من حضر الاجتماع، بل بمدى وعيهم، وحرية رأيهم، وتأثيرهم الحقيقي في مسار الجمعية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق