تُعد السرديات التوراتية مرجعًا رمزيًا قويًا في تشكيل الوعي الإسرائيلي، حيث تستدعى في كل أزمة لتأطير الصراعات الراهنة في قالب ديني وتاريخي. ومن بين هذه السرديات، تبرز قصة "جدعون" كرمز للمواجهة البطولية بجيش محدود العدد ضد عدو قوي، وهي القصة التي استدعتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مؤخرًا في خطتها المسماة "مركبات جدعون" خلال الحرب على غزة.
فبينما يواجه الجيش الإسرائيلي حالة غير مسبوقة من التفكك الداخلي، ورفضًا متزايدًا للالتحاق من جنود الاحتياط، تتجدد هذه الرموز القديمة لتبرير قرارات سياسية وعسكرية شائكة، على رأسها فكرة التهجير والتقسيم الجغرافي داخل القطاع، فماذا تحمل "مركبات جدعون" من دلالات؟ وما علاقة الروايات الدينية بالواقع العسكري؟ وهل تسعى إسرائيل لاستخدام الرموز الدينية كأداة للهروب من المساءلة السياسية؟
وسنستكشف كيف يلعب التراث التوراتي دوراً في تشكيل الروايات والمواقف تجاه الصراعات المستمرة في المنطقة.

قال السفير عاطف سالم، سفير مصر السابق في تل أبيب، إن اسم مركبات جدعون ، يعود إلى شخصية توراتية تدعى "جدعون"، حيث قاد مجموعة من المقاتلين الأقلاء وانتصر على جيش المديانيين، وذكرت هذه القصة في سفر القضاة ، و تم استخدام هذا الاسم من قبل في عام 1948 ، عندما تم طرد سكان مدينة بيسان في فلسطين.
وأوضح السفير عاطف سالم، سفير مصر السابق في تل أبيب ، خلال تصريحات خاصة لـ "مصر تايمز"، أن مركبات جدعون تشير إلى التخطيط لعملية تهجير سكان غزة ، واستخدام اسم "جدعون" له دلالة في هذا التوقيت، لأن الجيش الإسرائيلي أصدر أوامر باستدعاء 60 ألف جندي احتياطي، ولم يرد عليهم حتى الان سوى ثلثي العدد، وفي الرواية التوراتية جدعون انتصر على اعداءه بجيش محدود العدد.
وأضاف دائما يقتبس القادة الإسرائيليين مقتبسات توراتية، على اعتبار أن ما يدور هو صراع بين الخير والشر، كما ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العديد من المرات آيات توراتية، في بداية الحرب وجه نتنياهو كلمة للجنود الإسرائيليين قائلا: "عليكم بتذكر ما فعله العماليق بالإسرائيليين، نحن نتذكر ونحن نقاتل".
كما وصف الجنود بأنهم جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخهم إلى 3000 عام من عهد يوشع بن نون ، وقال أيضا "سنقضي على السنوار كما قضينا على هامان"، تلك الشخصية التوراتية التي تعود إلى سفر إستير، ويحتفل اليهود بذكرى القضاء على هامان على يد الملكة إستير في عيد المساخر من كل عام.
و أشار السفير عاطف سالم، أن خطة مركبات جدعون تمت بعد جلسة خلاف بين المستوى السياسي والمستوى العسكري و رؤساء المؤسسات الأمنية ، لأن الاجتماع تضمن مسألة توزيع المساعدات في قطاع غزة التي تعتبر محل خلاف لرئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير حيث يرى أنها تشكل خطورة على الجيش الإسرائيلي.
ومن ثم تم اقتراح أفكار جديدة للخطة ، جميعها تدور حول هزيمة حماس واستعادة المخطوفين و آلية جديدة لتوزيع المساعدات والتهجير الطوعي .
وارتبطت مصادقة كابينيت على تنفيذ الخطة بعد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي في المنطقة من 13 إلى 16 مايو، حيث من الممكن أن تتغير الأمور خلال الزيارة أو قبلها .

مراحل خطة مركبات جدعون
وتابع خطة جدعون تتضمن إخلاء السكان نحو جنوب قطاع غزة و إقامة فاصل بينهم وبين حركة حماس، في المنطقة بين محور فلادليفيا ومحور ميراج، وتوجيه إنذار لحماس بالموافقة على صفقة تبادل الأسرى في موعد أقصاه زيارة ترامب و إلا سيجتاح الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وبعد الاجتياح لن تكون هناك مبادرات ولا جلسات ولا تبادلات .
وسيبدأ الجيش عملية موسعة ولن ينسحب من الأراضي التي سيحتلها في قطاع غزة، وسيجبروا الفلسطينيين للحضور مرة واحدة في الأسبوع بعد التأكد من هويتهم وعدم انتماءهم لحماس، للحصول على الطعام ، وتتولى شركة أمريكية الإشراف على عملية التوزيع والجيش الإسرائيلي سيقوم بتأمين المنطقة .
وستتضمن الخطة أيضا الحفاظ على أمن منطقة غلاف غزة، إلى جانب إنشاء مراكز لوجيستية لعملية تخزين وتوزيع المساعدات .
معوقات الخطة
ولكن هناك معوقات لهذه الخطة منها زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، وأيضا من الممكن أن يدفع ثمنا باهظا لهذه الخطة ألا وهو التضحية بالمختطفين .
كما أن هناك العديد من الدول ستتردد في تقديم المساعدات في ضوء الغياب الكامل لوكالات الأمم المتحدة أثناء توزيع المساعدات.

نتنياهو يواجه مأزق خطير
الهدف من كل هذه الاجراءات هو استمرار الحرب، وعدم تشكيل تحقيق رسمية حول هجوم السابع من أكتوبر، لأن هذا يعني انتهاء حكومة نتنياهو.
كما أن هناك مأزق خطير يواجه نتنياهو خلال الأيام المقبلة، أثناء مرحلة الاستجواب المضاد يوم 9 مايو، والذي يهدد مستقبله السياسي وبالتالي يحاول نتنياهو توسيع آفاق الحرب للخروج من هذه الأزمة .
0 تعليق