لقراءة أي مشهد قراءة حقيقية توضح لي الوضع، أعمد إلى قراءة زوايا مختلفة تكوّن لي تصوّرا حقيقيا، رغم قناعاتي بالإحصاءات وتفاصيلها. فعند قراءة التوطين وسوق العمل، أعتمد كثيرا على زوايا مختلفة، فارتفاع الطلب على الكوادر المميزة يشير إلى صحة السوق، وارتفاع مستوى الرواتب أيضا مؤشر جيد، وكذلك حرص الجهات والشركات على اصطياد المميزين لتوظيفهم. نشهد في الفترة الحالية قدرات وكفاءات الشباب والشابات في الأعمال بمستوى غير مسبوق.

الأهم من هذا كله، أننا وصلنا إلى مرحلة توطين وتوظيف بكميات أكثر من قدرة تخريج الجامعات، سواء على الأرقام الكلية أو لكل تخصص. لا شك بأن كل ما تم هو وليد برامج مدروسة بطريقة تشاركية مع كل جهة معنية للقطاعات الحكومية والخاصة، ومنفذة كما رسمت وكما خطط لها.

لم يكن التحول في سوق العمل السعودي وليد لحظة أو مجرد استجابة عابرة لواقع اقتصادي متغير، بل هو نتاج رؤية طموحة نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام، يقوده الإنسان ويبنى على الكفاءة والتمكين.

وقد شكلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حجر الأساس لهذا التحول، عبر استراتيجية واضحة بدأت بتشخيص التحديات القائمة، ثم وضعت خطة مدروسة لمعالجتها، وها هي اليوم تجني ثمار الجهود المتراكمة والمبادرات الطموحة.

كان سوق العمل يعاني من فجوة واضحة بين الفرص المتاحة والكوادر الوطنية المؤهلة، بالإضافة إلى محدودية في تنوع الفرص ونوعيتها، إلا أن الوزارة تعاملت مع هذا الواقع بمرونة وعزيمة، فتبنت مسارا تطويريا شاملا، بدأ بإعادة تصميم منظومة العمل، ومرّ عبر برامج التوطين، وانتهى إلى أتمتة الخدمات وتحديث التشريعات.

تؤكد المؤشرات على أرض الواقع أن مسار التغيير في سوق العمل السعودي يسير بثبات في الاتجاه الصحيح، إذ شهدت معدلات البطالة بين السعوديين انخفاضا تاريخيا لتبلغ 7.0% في الربع الرابع من 2024م؛ وهو أدنى مستوى تسجله المملكة على الإطلاق.

ويعزى هذا التراجع في معدل البطالة إلى الارتفاع الملحوظ في معدل التوظيف بين السعوديين، حيث بلغ 47.5%، مسجلا زيادة سنوية بمقدار نقطة مئوية مقارنة بالفترة نفسها من 2023م. كما ارتفعت نسبة المشتغلات السعوديات إلى 31.8%، محققة نموا سنويا قدره 1.7 نقطة مئوية، وتراجع بطالة السعوديات إلى 11.9%، ما يعكس الأثر الحقيقي لاستراتيجيات تمكين المرأة ودعم مشاركتها الفاعلة في سوق العمل بمختلف قطاعاته.

وساهمت حزمة التشريعات الاقتصادية الداعمة لسوق العمل في خفض معدل البطالة الإجمالي للسعوديين (الذكور والإناث)؛ الذي تراجع إلى 7.0% في الربع الرابع من 2024م مقارنة بـ7.8% في الفترة ذاتها من 2023م.

وهكذا، تتضح ملامح سوق عمل سعودي يتطور بثبات، يفتح آفاقا واسعة أمام الشباب، ويرسخ مكانة المملكة كمركز اقتصادي قادر على المنافسة عالميا، إنها رحلة بدأت بالتحدي، وتواصلت بالتصميم، وستُتوج بمستقبل أكثر إشراقا للجميع.