نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدولة العميقة وعناد ولي العهد بمنطقة مجروحة - بلد نيوز, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 09:37 مساءً
المنطقة تنزف. والجراح والموت العنوان الرئيس. هي جزء غابر من العالم. الكل يناكف الكل، والجميع ينبذ الجميع. والوفاء غير موجود في القواميس والمنهجيات. التحزبات والتجاذبات وجدت مرتعا كبيرا لها، والمقابر أصبحت ضيقة على ساكنيها، حتى حارسها ممتعض من كثرة الزائرين، هذا قدره. جغرافيات وديموقراطيات تعيسة. شعوب ترفع السياسة. وأحيانا سياسة ترفع الشعوب. والشارع جاهز ومشتعل، ينتظر عملاءه، فالنار تحتاج من يوقدها. في منطقتنا يوجد رؤساء مزاحون، ومقتولون، ومحاكمون، وفارون. فالصورة الكبرى محبطة. هناك من وصف نفسه بسيف العرب، وعثر عليه في حفرة لا تصلح للعيش الآدمي. وقبله من رأى أن أمل الأمة في الوحدة. تحالف مع سوريا وقالت إذاعة دمشق يوما ما؛ هنا القاهرة. وتبخر حلمه بغمضة عين، أقصد عبد الناصر. ولا يمكن طالما تم فتح هذا الملف، أن نتجاوز ذكر ملك ملوك أفريقيا. صاحب الكتاب الأخضر، والذي وجد في موقع يصعب حتى على الجرذان العيش فيه. وذاك الذي قال «أنا فهمتكم» بعد أن حكم البلاد أكثر من ثلاثة عقود، ولم يفهم الشعب إلا في آخر خمسة دقائق. وعفاش الذي نهب ثروة بلاده والسعادة منها. تعاظمت شخصيته حتى أقنع شعبه بأنه الوحيد الذي يستطيع حكم البلاد والعباد في اليمن. وفي النهاية رمي به في سيارة بيك أب جثة هامدة.
والإخوان المسلمون الذين تكالبوا بعد وصولهم الحكم ضد بلادهم، وتآمروا مع الخارج، ورفعوا أنوفهم على المحيط العربي. ذهبوا إلى غير رجعة، لأنهم استندوا على مفهوم الأهل والعشيرة لا الوطن. والأخير الذي فر من بلاده في عتمة الليل مع زبانيته، دمر البلاد عن بكرة أبيها، وزرع أحقاده وسوداويته، وفتح الدولة على مصراعيها. وتحولت عاصمة الأمويين بتاريخها وإرثها العريق، إلى مساحة تدريب على القتل المجاني، لكل من هب ودب من الأرض. منطقتنا ملعونة. منذ الأزل تسيل على أراضيها الدماء، وتتمدد الأحقاد، والثارات والرايات السوداء. وفي المقابل ولست هنا في صدد المقارنة، واصلت السعودية رسم خطوط الألفة والتنمية والاستقرار.
بعد ثلاث مئة عام وما يزيد على ولادة هذا الكيان؛ أكتب عن المولودين في الأصل حاملي اللقب، وحكمتهم وقناعاتهم بأنهم ليسوا ملوكا أو زعماء، بل عاملون لخدمة أوطانهم وشعوبهم، لا قمعها وقهرها. تدرك الدولة العميقة في السعودية ذلك. وأكاد أن أجزم أن الشخص الذي برز خلال السنوات الفائتة، واسمه محمد بن سلمان، هو نتاج تلك الفكرة - أعني الدولة العميقة -. فقد تبوأ منصب الرجل الثاني في دولة لها ميزاتها الخاصة دينيا، وسياسيا واقتصاديا على مستوى المنطقة والعالم، ولم يتجاوز وقتها عمره نصف أعمار المذكورين آنفا. وذلك له استنتاجات خاصة، مثل ماذا؟ أنه نهل من مدرسة والده ووالد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. وهذا الرجل غير عادي، فهو قبل أن يكون ملكا، يعد من أعتى الساسة في المنطقة والعالم، لأنه عاصر والده الذي أسس دولة من لا شيء، وفرض احترامه على العالم. وقد جاءه فرانكلين روزفلت رئيس أقوى بقعة في العالم حيث كان خاطبا وده - أي بمحل عبد العزيز -. وسار الملك سلمان مع إخوته الملوك. وتعلم من كل شخصية من تلك الشخصيات شيئا مختلفا عن الآخر. ومحمد بن سلمان جاء من هذه الخيمة الكبرى. وتشكلت داخله حالة عناد إيجابي مبنية على عدم الخضوع للمستحيل. وقفز على الظروف المحيطة المحبطة. ورفع لواء المنطقة، ما الدليل؟ الدعم السياسي والعيني والمادي، لملفات العرب. فقد صدح الصوت السعودي في المحافل الدولية محاميا عن القضية الفلسطينية. ووقفت الرياض تاريخيا أمام صور كثيرة، من الابتزاز «المرتبط بالدعم المادي الدولي» لدول عربية، تصنف ضمن الكبرى! حتى المتقاتلون والمتخاصمون وجدوا في المملكة ملاذا ومناخا صالحا للنقاش واللقاء والتفاوض. كواشنطن وموسكو اللتين تقابل وفدهما أكثر من مرة في السعودية. وكذلك أوكرانيا وروسيا. على الصعيد المحلي، وضع ولي العهد تحويل الدولة من ريعية إلى منتجة، والشعب من مستهلك لمشارك في صناعة النهضة، نصب عينه. وتحقق ذلك. فهم أن مسابقة الزمن واجبة، فالوقت غريم مجهول، إما أن تهزمه أو سينحرك من الوريد للوريد. كان التاريخ المحدد عام 2030. وقبل الموعد تحقق من أهداف خطته الكبرى أكثر من نصفها.
اقتنع المجتمع بروزنامة يحملها، وآمن به وبرسالته وقبل تجديده. عاطفيا، أحبه الجميع، وتشكلت رغبة جامحة في نفوس الشعب، بضرورة المشاركة بتنمية بلادهم. أيقنوا ألا حل ولا خيار غير النجاح. أشهر سيفه ضد الإرهاب ونسفه عن بكرة أبيه. والتفت للفاسدين واقتص منهم. وكرس مفهوم أن الجميع سواسية أمير أو وزير أو غفير. قطع الطريق على تنفع الكثير من الأمراء والوزراء والمتنفذين. وغير صورة المسؤول في السعودية. نزع مشلحه. وسار كثيرا بالخفية للمراقبة والمتابعة. إنه يرصد كل شيء. وهذا ليس من ضرب خيالي، بل له أدلته، ما الشواهد؟ رواية لأمين مدينة الرياض الأمير فيصل بن عياف. فقد أكد في لقاء متلفز أن ولي العهد رصد مشاكل وصورها بهاتفه الجوال بأحد المواقع في العاصمة الرياض. واستدعاه للقصر، وأراه الصور، وعالج بن عياف وقتها تلك المشاكل. المثير هو عدم تغلغل الإحباط لداخله، من منطقة بائسة، تحتوي آلاف قصص الفشل، لا سيما في دول حاولت ارتداء عباءة الديموقرطية، لكن حكامها حولوها مع الوقت لديكتاتوريات تشبه مزارع البقر. إن الحالة السعودية المتجددة أصبحت «عدوى» انتقلت لدول مجاورة وأخرى بعيدة. إذ إن عديدا من الشعوب تمنوا وجود شخص رديف للرجل - أي ولي العهد -؛ تعبيرا عن الإعجاب بالتحول الذي شهدته المملكة على يده.
من هنا يمكن فهم أن محمد بن سلمان نتاج للدولة العميقة. وكيف كسر عقارب الساعة، وحقق الأهداف بعناد إيجابي.. بمنطقة مجروحة.
0 تعليق