انقضى شهر رمضان المبارك، وانتهت ليالي العبادة والقرب من الطاعات.. وعدنا لسالف عهدنا، مع بقايا من آثار النوم المتقطع غير المنتظم، نكابد ساعات الصباح الأولى على مقاعد الدراسة وفي جوف المكاتب، نرقب عقارب الساعة المعلقة أمامنا.. نستحثها أن تتقدم سريعا حتى نرجع لمنازلنا دون أن يفضح أمرنا بأننا كنا أجسادا متهاوية تئن من الرغبة في النوم.

فاز من لم يغير روتين حياته بدخول أيام رمضان، ولعله لم يعانِ ما نعانيه، وربما قد يستنكر ما نفعله في أنفسنا مرة بالتهكم.. ومرة بالاستظراف السخيف على أشكالنا المنهكة، وعلى الرغم من بقائه محافظا على منظومته.. إلا أنه فقد الكثير من متعة تلك الأيام، فرمضان مختلف بكل تفاصيله، وكأنه بئر سحري لكل ظمآن مهما اختلف عطشه.. فالمتعطش لليالي يطلق فيها العنان لروحه يجد سلوته في رمضان، ومن يبهجه وجوده بين أحبابه وخاصته يجد سلوته في رمضان، ومن عشق السهر لبزوغ الفجر وإشراق الصباح يجد سلوته في رمضان.. رمضان ليس شهر عبادة فقط «وإن خالف رأي البعض» إلا أنني أجد في رمضان عالما متكاملا وحياة متعددة الجوانب، ومن يخرج منه دون أن يحدث داخله تغيرا حتى لو طفيفا.. فليراجع نفسه ويعيد الكرة من جديد في العام القادم، وإن كان العام القادم ليس بقريب، وليمرّن تلك الروح بالصيام خلال العام، علّه يعوض ما فاته.

رمضان شهر نتذكر فيه الأحباب ممن تركونا وفارقونا إلى دار الحق، فتنهال عليهم دعواتنا بالعفو والغفران، فنحن ندرك ساعات الإجابة التي لا يرد الله فيها الدعاء في هذه الأيام، نشمل معهم جميع أموات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا ننسى في تلك الساعات المباركة إخواننا المستضعفين في كل مكان، ونخص ولاة أمورنا بالدعاء لهم بالتوفيق والسداد، ثم نختم بالحمد والشكر لله سبحانه وتعالى، تعقبه الصلاة على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، دون أن ننسى أن يتضمن دعاؤنا بما نكنه في أنفسنا من عظيم الحاجات.. فإن كنت شخصا موقنا بأن الله قريب مجيب الدعاء، وعلمت أن هناك كما هائلا من الدعاء شمل ما ذكرته سلفا وزاد عليه..! فلا بد أنك تدرك بأن الإجابة قد حصلت وأنها ليست سوى توقيتات وتراها على اختلاف أشكالها.. هل أدركت ما أضعته عندما لم تستغل تلك الأوقات الثمينة بجدول دعواتك..؟

لم يفت الوقت بعد هناك أيام مباركة يفصلنا عنها القليل ينزل فيها الله من سمائه السابعة ليسمع صوتك، فهل أنت مستعد أم أنك ما زلت في سباتك العميق..؟

نعم عدنا.. إلا أن قلوبنا لم تزل معلقة تأبى العودة، ولسان حالنا يقول ليت العمر كله رمضان ليس فقط لروحانيته بل لما يحدث فيه من تقلّب للنفوس وصفاء للقلوب، وكأننا نصبح أناسا آخرين لم تعركنا مطامع الدنيا وما فيها، فإن كنت قد عدت وهو أمر لا فرار منه فلتبقِ على تلك النفس طهرها وذاك القلب نقاءه.

eman_bajunaid@