استحوذت شركتا بلاك روك الأمريكية لإدارة الأصول وشركة إم إس سي الإيطالية للشحن البحري على 43 ميناءاً مملوكاً لشركة سي كيه هوتشن القابضة متعددة الجنسيات، والتي يقع مقرها في هونغ كونغ، ضمن صفقة ستفتح المجال أمام شركة الأصول الأمريكية للسيطرة على 12 ميناءاً في الشرق الأوسط تقع على سواحل استراتيجية تمتد من الإمارات وعمان إلى  العراق  ومصر. 

وفي مارس/آذار 2025، توصل اتحاد مكون من شركتي بلاك روك وإم إس سي إلى صفقة بقيمة 22.8 مليار دولار للاستحواذ على 43 ميناءاً مملوكاً لشركة سي كيه هوتشن، وهي شركة مدرجة في بورصة هونغ كونغ ويملكها أحد أغنى رجال آسيا، الملياردير لي كا شينج البالغ من العمر 96 عاماً.

وتصدرت الصفقة عناوين الأخبار لأنها ستمنح بلاك روك وإم إس سي السيطرة على ميناءين في كل طرف من قناة بنما، وهو الممر المائي الاستراتيجي الذي هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيطرة عليه للحد من نفوذ الصين في نصف الكرة الغربي.

ولكن تأثير الاتفاق يمتد إلى ما هو أبعد من بنما وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط التي تسعى فيها الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج، إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. ويمثل قطاع الشحن البحري والموانئ أحد المصادر الأخرى لتنويع اقتصادات تلك الدول.

ما هي الموانئ التي ستستحوذ عليها شركتا بلاك روك وإم إس سي في الشرق الأوسط؟

بموجب الصفقة التي تم التوصل إليها بين اتحاد شركتي بلاك روك الأمريكية وإم إس سي الإيطالية مع شركة سي كيه هوتشن، من المقرر أن تستحوذ الشركتان على 12 ميناءً في الشرق الأوسط، موزعة كالتالي:

• مصر (5): الإسكندرية – الدخيلة – أبوقير – العين السخنة – ورصيف B100 الجديد بميناء الإسكندرية
• الإمارات (4): رأس الخيمة – عجمان – خصب – يو ايه كيو
• سلطنة عمان (1): صحار
• العراق (1): البصرة
• السعودية (1): جازان

ما هي أهمية الموانئ لدول الخليج؟

• تشكل مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ أساساً للقوة الاقتصادية والجيوسياسية لدول الخليج، باعتبارها قوى متوسطة جديدة مستقلة عن واشنطن وموسكو وبكين.
• واستخدمت الإمارات شركة موانئ دبي العالمية منذ فترة طويلة كوسيلة لفرض نفوذها في البحر الأحمر.
• وتسعى دول الخليج أيضاً إلى استخدام الموانئ لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على الطاقة، والاستفادة من مكانتها المرموقة كحلقة وصل بين الشرق والغرب لتدفقات الإيرادات. على سبيل المثال، تهدف السعودية إلى مضاعفة سعة موانئها أربع مرات بحلول عام 2030.
• وقال بيتر دي لانجين، مالك ومستشار رئيسي لشركة Ports & Logistics Advisory، لموقع ميدل إيست آي، إن شركات الشحن مثل إم إس سي تتمتع بميزة، لأنها تنشر الاحتياطيات النقدية المتراكمة من بضع سنوات من أسعار الشحن المرتفعة.
• وأضاف أن "دول الخليج لم تتمكن حتى الآن من تكرار ما فعلته مع شركات الطيران الوطنية في مجال الشحن".
• وتابع: "أستطيع أن أتخيل أن شركات تشغيل المحطات المملوكة للدولة مثل موانئ دبي العالمية ترغب في الاستحواذ على خط شحن، لكن هذا الاستحواذ باهظ التكلفة".
• بدلاً من ذلك، ركزت دول الخليج على بناء الموانئ. ويرى البعض أن هذا الإنفاق الباهظ على البنية التحتية قد تجاوز الحد، لدرجة أن الخبراء يقولون إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من فائض في العرض.
• وقال مسؤول تنفيذي في الميناء لموقع ميدل إيست آي: "تبلغ نسبة تشغيل موانئ البحر الأحمر 60%. وهذه نسبة منخفضة. أما المعدل الصحي فيتراوح بين 75% و80%".

هل يشكّل الاستحواذ على موانئ في الشرق الأوسط فرصة لشركتي بلاك روك وإم إس سي؟

• قال خبراء إن الموانئ التي تستحوذ عليها شركتا إم إس سي وبلاك روك على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر ستسمح بتوفير خدمات إصلاح وصيانة أرخص مقارنة بأوروبا، حيث الأجور أعلى ويفرض الاتحاد الأوروبي قوانين بيئية باهظة التكلفة.
• مع هذا الاستحواذ، ستتمكن إم إس سي من الوصول إلى العديد من المراكز. وأضاف ساند، كبير المحللين في منصة الشحن زينيتا: "ليست الواردات المصرية هي المهمة هنا، بل الموقع الاستراتيجي لتلك الأصول الذي يسمح لإم إس سي بالتنقل في البحر الأبيض المتوسط".
• وتشمل الصفقة أيضاً موانئ في الإمارات الأقل شهرة مثل عجمان ورأس الخيمة.
• ومن شأن ذلك أيضاً أن يعزز سيطرة إم إس سي وبلاك روك على البوابات الاستراتيجية لدول الشرق الأوسط.
• ويستحوذ ميناء صحار التابع لشركة سي كيه هوتشن في عُمان على 80% من الشحن البحري للبلاد. وتشمل الصفقة أيضاً ميناءً في البصرة بالعراق، وهو منفذها البحري الوحيد.
• يأتي ذلك بينما تنتقل شركتا إم إس سي وبلاك روك إلى موانئ الشرق الأوسط في وقت من المتوقع أن تصبح فيه أكثر ازدحاماً، ومن المفارقات أن ذلك يرجع إلى الحرب التجارية التي يشنها ترامب مع الصين.
• وتشهد صادرات الصين إلى الخليج ارتفاعاً مستمراً منذ سنوات. ويشير الخبراء إلى أن المصنّعين الصينيين، الذين أُقصوا من السوق الأمريكية، سيتجهون إلى ضخّ المزيد من منتجاتهم الأرخص في الشرق الأوسط مع انخفاض الاستهلاك الأمريكي بسبب الرسوم الجمركية.
• وهكذا، بينما يسعى ترامب إلى إعادة رسم النظام العالمي، تعمل شركتا بلاك روك وإم إس سي على إعداد نفسيهما لتحقيق الربح.

كيف ستتأثر دول الشرق الأوسط بهذه الصفقة؟

• من بين الخاسرين غير المعلنين من هذه الصفقة تبرز الإمارات، حيث رسّخت شركتها الحكومية، موانئ دبي العالمية، مكانتها كأكبر شركة موانئ في أفريقيا والشرق الأوسط، وفقاً لخبراء ورجال أعمال.
• وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الموانئ في المنطقة لموقع ميدل إيست آي: "خارجياً، ستقول شركة موانئ دبي العالمية إن هذه الصفقة لا تشكل تهديداً لأعمالها، ولكن داخلياً، فمن المؤكد أنهم غاضبون وخائفون".
• وقال محللون إن الإمارات لديها ما يدعو إلى القلق، منذ أن أكد قرار شركة إم إس سي بالتعاون مع بلاك روك على التحول النموذجي في صناعة الشحن؛ حيث يتجه أصحاب السفن نحو شراء الموانئ بدلاً من الاعتماد على مشغلين مثل موانئ دبي العالمية، مع تزايد المخاطر الجيوسياسية.
• ومع مرور الوقت، ستُرسل شركة إم إس سي سفنها إلى أصولها الجديدة. وستحتاج موانئ دبي العالمية إلى إيجاد شركاء جدد لسد الفجوة. وصرّح بيتر ساند، كبير المحللين في منصة الشحن زينيتا، لموقع ميدل إيست آي: "دبي لا ترحب بهذه الصفقة".

ما علاقة الصين بالقصة؟

• تتحرك إدارة ترامب نحو تقليص نفوذ بكين على سلاسل التوريد العالمية، ويقع الشرق الأوسط في قلب هذا التوجه الأمريكي.
• ومع تنامي حضور الصين في البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق (BRI) في الشرق الأوسط، يرى البعض أن هذه الصفقة، التي جرت بعيداً عن أعين الدبلوماسيين، ومراكز الأبحاث، والقوى الأجنبية، وحتى المصرفيين الاستثماريين التقليديين الذين يُسهّلون مثل هذه الصفقة، تمثّل لمحةً أولى عن كيفية ردّ الإدارة الأمريكية، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
• وفي كل من واشنطن وبكين، يُنظر إلى صفقة سي كيه هوتشن مع شركتي بلاك روك وإم إس سي باعتبارها أحدث حلقة في مسلسل تصعيد التنافس بين القوى العظمى.
• وقد صوّر ترامب استحواذ بلاك روك على ميناءين في قناة بنما بموجب الصفقة بوصفه "استعادة" الولايات المتحدة لأصل استراتيجي أعادته، "بغباء"، إلى بنما في عام 1999، وهو ما قد يعتبره الكثيرون سرداً اختزالياً لتاريخ القناة.
• ومن المفارقات أن بكين عززت من موقف ترامب القومي تجاه الصفقة من خلال معارضتها لها؛ فقد اتهمت الصحف الصينية المملوكة للدولة شركة سي كيه هوتشن بالخيانة لبيعها موانئها.
• لكن الاتفاق أكثر تعقيداً من الطريقة التي تصوره بها بكين وواشنطن.
• ويبدو أن شركة بلاك روك الأمريكية استغلت خطاب ترامب المتشدد تجاه الصين، والذي ربما أثار قلق شركة سي كيه هوتشن. ففي الأسابيع التي سبقت الاتفاق، ألغى ترامب الامتيازات التجارية الخاصة الممنوحة لهونغ كونغ. كما كشف عن خطة لفرض رسوم موانئ على السفن الصينية.
• وقال بيتر فرانكوبان، الخبير في طرق التجارة بجامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب طرق الحرير: تاريخ جديد للعالم، لموقع ميدل إيست آي، إن قيام بلاك روك بتشكيل اتحاد لشراء الموانئ "يناسب نموذجاً مجرّباً ومختبَراً، حيث تتوافق مصالح الأعمال وسياسة الحكومة الأمريكية بشكل وثيق".
• ولكنه قال إن الاتفاق لا ينبغي أن يقتصر على "محاولة الولايات المتحدة التنافس مع الصين أو مع مبادرة الحزام والطريق".
• وأضاف فرانكوبان: "يبدو لي الأمر أشبه بتحرك دفاعي لمحاولة إغلاق الباب أمام الطموحات الصينية المتزايدة – والتي قد تبدو متشابهة، لكنني أعتقد أنها مختلفة إلى حد ما في الدافع والممارسة".

ماذا نعرف عن شركة بلاك روك الأمريكية؟

• بلاك روك هي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، ولديها مصالح خاصة في التوسع في الموانئ، باعتبارها أصولاً ثابتة توفر تدفقات إيرادات ثابتة.
• تبلغ قيمة أصول الشركة حوالي 11 تريليون دولار، ويقول الخبراء إن لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، وضع نفسه بذكاء في موقع يخدم مصالح ترامب.
• استهدف المحافظون فينك بزعم ممارسته الاستثمار "الواعي". وقد نال استهزاء تاكر كارلسون، الحليف المقرب لترامب، الذي يصفه غالباً بأنه من نوع المليارديرات العالميين المسؤولين عن استنزاف الطبقة المتوسطة الأمريكية.
• وبفضل صفقة سي كيه هوتشن، تمكن فينك من تصوير بلاك روك باعتبارها أداة لبسط النفوذ الأمريكي.
• وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز بعد الإعلان عن الصفقة: "أفضل التعامل مع بلاك روك بدلاً من شركة مقرها الصين، وبلاك روك جيدة".

ماذا نعرف عن شركة إم إس سي الإيطالية؟

• تم تأسيس شركة إم إس سي على يد جيانلويجي أبونتي، وهو قبطان بحري من مدينة نابولي.
• وفي قطاعٍ يشهد منافسةً شديدة، تُعرف شركة إم إس سي بأنها واحدة من أكثر شركات الشحن تماسكاً. ونادراً ما تُجري العائلة المالكة لها مقابلات أو تُفصح عن أرباحها.
• وُلِد أبونتي، البالغ من العمر 84 عاماً، لعائلة نابولية تدّعي أنها اشتغلت في التجارة البحرية منذ القرن السابع عشر. توفي والده بسبب الملاريا بعد أن سعى وراء ثروته كصاحب فندق في الصومال.
• وأصبح أبونتي قبطاناً ينقل المشاهير من نابولي إلى كابري. وفي إحدى تلك الرحلات، التقى بزوجته السويسرية الإسرائيلية. وبدأ الاثنان عملهما بسفينة واحدة عام 1970، وطوّراها لتصبح أكبر شركة شحن حاويات في العالم.
• ونادراً ما يظهر أبونتي في الأماكن العامة، لكنه اكتسب ولاء عشرات الآلاف من موظفيه، الذين يرسل إليهم دعوات شخصية لحضور احتفالات تسمية السفن، وفقاً لروايات العمال.
• ويعمل دييغو، نجل أبونتي، وابنته أليكسا في شركة إم إس سي. وأفاد المدير التنفيذي لموقع ميدل إيست آي أن دييغو أدار المحادثات مع بلاك روك.
• وتشتهر شركة إم إس سي في صناعة الشحن بسعيها لتحويل أسطولها إلى سفن حاويات ضخمة، حيث يمكن تعبئة المنتجات إلى أقصى حد على متن سفن أكبر من ثلاثة ملاعب كرة قدم، بأسعار منخفضة للغاية.