العصيان ينتشر.. عرائض جنود الاحتياط الرافضة للحرب تهز المؤسسة العسكرية، فهل تؤثر على مناطق القتال؟ - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الوقت الذي يواجه الجيش الإسرائيلي أزمة تهرب جنود الاحتياط من الالتحاق بالخدمة، ظهرت معضلة جديدة أمام الحكومة الإسرائيلية بالتزامن مع توسيع نطاق العمليات الإسرائيلية في مناطق مختلفة أبرزها قطاع غزة وسوريا.

وبدأت الأزمة الجديدة مع توقيع 950 طياراً من جنود الاحتياط في سلاح الجو على عريضة تدعو إلى رفض أداء الخدمة العسكرية، في حال استمرت الحكومة الإسرائيلية في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وواصلت المماطلة في إتمام صفقة تبادل الأسرى.

حيث شكلت هذه العريضة نقطة تحول تحمل في طياتها دلالات خطيرة على عمق الانقسام في الداخل الإسرائيلي، والتي جاءت مع صراع الحكومة الإسرائيلية مع رئيس الشاباك رونين بار، والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا.

تلا ذلك سلسلة من العرائض من جهات مختلفة في المؤسسات الأمنية، كان آخرها الأربعاء 16 أبريل/نيسان 2025، حيث وقع 200 من كبار ضباط الشرطة السابقين، بينهم ثمانية مفوضين، على عريضة تطالب بإعادة الأسرى الإسرائيليين حتى لو كان ذلك على حساب وقف الحرب.

والثلاثاء 15 أبريل/نيسان 2025، نشرت عريضة، وقعها 472 من قدامى المحاربين في الوحدات الخاصة بما فيهم قدامى المحاربين وحدتي شالداغ و669 (التخليص والإنقاذ)، أكدوا فيها على أن "إعادة المخطوفين هي المهمة والقيمة الأهم اليوم، ولها الأولوية على أي مهمة أو قيمة أخرى"، مشيرين إلى أن "وجود الجنود والمدنيين المختطفين في غزة لأكثر من 556 يوماً يقوض القيم الأساسية والعسكرية".

عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز
عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز

كما انضم الثلاثاء، 254 من قدامى المحاربين من وحدة "شايطيت 13" بينهم 69 مازالوا في الخدمة، إلى الحملة ضد القتال في غزة، وجاء في بيانهم "أوقفوا القتال وأعيدوا جميع المختطفين، فكل يوم يمر عليهم يعرض حياتهم للخطر".

ونشرت رسالة مماثلة الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، وقع عليها أكثر من 1500 من قدامى المحاربين في سلاح المشاة والقوات الخاصة، طالبوا فيها بإنهاء الحرب، ومن بين الموقعين على العريضة قدامى وحدة النخبة "سييرت متكال"، ووحدة شايطيت 13، ووحدة شالداغ. وبحسب واضعي العريضة فإن 16% من الموقعين عليها هم في الخدمة الفعلية.

وفي ذلك اليوم، نشرت عريضة أخرى وقع عليها 250 من قدامى المحاربين في الوحدة الاستخباراتية 8200.

كما وقع 1500 من قدامى المحاربين في سلاح المدرعات، وحوالي 170 من خريجي برنامج "تلبيوت" التابع للاستخبارات العسكرية، وحوالي 150 ضابطاً سابقاً في البحرية، على عرائض مماثلة.

إلى ذلك، أثارت عرائض جنود وضباط المؤسسات الأمنية مبادرات مماثلة بين المؤسسات المدنية، فقد وقع نحو 3 آلاف من العاملين في مجال الرعاية الصحية والحائزين على جائزة نوبل رسائل مماثلة تدعو إلى وقف الحرب، بالإضافة إلى مئات الكتاب والشعراء والشخصيات الأدبية، وكذلك 3500 أكاديمي جامعي، و3000 معلم، ونحو ألف من أولياء الأمور في المدارس.

ووفق وكالة الأناضول، فقد وقع خلال الأيام الأخيرة الماضية ما لا يقل عن 6037 عنصراً بمؤسسات عسكرية وأمنية ومخابراتية 17 عريضة تؤكد ضرورة إعادة الأسرى من غزة ولو على حساب وقف الحرب.

كما وقّع 22 ألفاً و500 شخص من قطاعات مدنية 10 عرائض تضامنية مع من يؤكدون أن نتنياهو يواصل حرب الإبادة لأهداف سياسية شخصية وليست أمنية. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن عدد الموقعين على عرائض تطالب بوقف القتال في غزة واستعادة الأسرى الإسرائيليين تخطى الـ110 آلاف.

ويأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه مجلة 972 الإسرائيلية، أن أكثر من 100 ألف جندي احتياط توقفوا عن أداء الخدمة، ويرفض بعضهم الانضمام إلى الحرب بدوافع "أخلاقية".

لماذا يعترض جنود الاحتياط على عودة الحرب على غزة؟

وتواجه الحكومة الإسرائيلية عقبة داخلية كبيرة هذه المرة، حيث لا تحظى عودة الحرب على غزة بإجماع شعبي كامل.

ويقول اللواء احتياط يسرائيل زيف في مقال على القناة 12، إن الحرب الحالية على غزة كاذبة، ولا تهدف فعلاً إلى إعادة الأسرى الإسرائيليين، إنما إلى احتلال قطاع غزة كخطوة للمحافظة على الائتلاف الحكومي، وبالتالي فهي ليست شرعية، ولا إجماع عليها، وعاجلاً أم آجلاً ستفقد بقايا الدعم في الجمهور الإسرائيلي.

وشدد الضابط الإسرائيلي على أن نتنياهو هو من خرق الاتفاق الذي وافقت عليه حركة حماس لإعادة جميع المختطفين على ثلاث مراحل.

وتابع بأن عقيدة الأمن الإسرائيلية قدست دائماً البعد الزمني باعتباره أساساً للاستراتيجية ومقياساً للنجاح أو الفشل، ومن هنا جاء المفهوم الأساسي المتمثل في السعي إلى "الحروب القصيرة".

وأضاف أن الحروب الماضية التي استمرت أسابيع تُعد طويلة، وتعبر عن ضعف في قدرة الجيش الإسرائيلي على اتخاذ القرار، ومن ناحية أخرى، فقدت الحرب الحالية كل تناسب مع البعد الزمني، مشدداً على أنها حرب سياسية يتناسب خطها الزمني مع عمر التحالف القائم، وهي منفصلة عما يحدث في منطقة القتال.

ورأى أن نتنياهو يفضل استنزاف الجيش وعدم إعادة الأسرى الإسرائيليين، وهو ما يمكن أن ينهي له الحرب مبكراً.

وتابع بأن هيئة الأركان العامة الجديدة، انطلاقاً من رغبتها في إثبات نفسها وقدرتها على تحقيق نتائج أفضل، لا تعمل إلا على تعميق الارتباك في مستنقع غزة.

زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز
زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز

وفي غياب الأهداف والجدول الزمني لتحقيقها، لا توجد حتى طريقة لقياس نجاح الجيش الإسرائيلي، والواقع حتى الآن يثبت عكس ذلك، فإنه يقود الجيش إلى حرب غير واضحة وبلا أفق، بحسب الضابط الإسرائيلي.

هل تراجع التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب على غزة؟

وتعتقد الكاتبة الإسرائيلية ساجيت ألكوبي فيشمان أن صفقة تبادل الأسرى ونهاية القتال في غزة في ظل الظروف الحالية قد تخلق موقفاً أقوى لإسرائيل، فقد فشلت العقيدة العسكرية الحالية منذ أكثر من 500 يوم من القتال في تحقيق أهدافها المعلنة.

وأضافت الكاتبة في مقال على موقع "زمان إسرائيل"، أن حركة حماس لا تزال تحتجز الأسرى الإسرائيليين، وعلى الرغم من أن قدرتها على إطلاق الصواريخ تضررت بشكل كبير، فإن التهديد الأمني لم يتم القضاء عليه بشكل كامل.

كما أن تكلفة الاقتصاد المتحركة ترتفع يوماً بعد يوم، بتكلفة تراكمية تصل إلى مليارات الدولارات، وتنهار قطاعات السياحة والزراعة والتصدير في الجنوب، وفي الوقت نفسه يتآكل الوضع الدبلوماسي لإسرائيل، وتصبح العزلة الدولية مثيرة للقلق، كما تقول الكاتبة.

وتشير إلى أن الاستمرار في اتباع استراتيجية فاشلة لا يعد دليلاً على القوة، وهذا عناد باهظ الثمن يضعف إسرائيل، فالمطالبة بـ"النصر الكامل" على حماس خلقت فخاً خطابياً يعيق أي حل عملي، كما أن تحديد هدف غير قابل للتحقق يؤدي إلى فقدان الحلول الفعالة.

وتساءلت الكاتبة: "هل هناك أي أساس للافتراض بأن أشهر أخرى من القتال، بالإضافة إلى عام ونصف، سوف تؤدي إلى تحقيق النصر الكامل؟".

وشددت على أن التجارب الحديثة أثبتت أن الحروب غير المتكافئة لا توجد فيها "انتصارات كاملة"، بل قرارات براغماتية، مشيرة إلى ما جرى في أفغانستان والعراق والشيشان وكولومبيا.

ولفتت إلى أن الجمهور الإسرائيلي، الذي يجهل إلى حد كبير المدى الحقيقي للدمار في غزة، بدأ يفهم أنه لا يوجد مبرر لاستمرار القتال دون أهداف واضحة وقابلة للتحقيق.

وتابعت بأن "القرارات المصيرية المتعلقة بحياة الإنسان وأمن الدولة ومستقبلها الاستراتيجي يتم اتخاذها على أساس اعتبارات البقاء السياسي، والتي لا تعكس التفكير الاستراتيجي الطويل الأمد".

هل تؤثر الأزمة على القدرة العملياتية في مناطق القتال؟

وتفرض هذه الأزمات في منظومة الجيش الإسرائيلي، تساؤلاً صعباً بشأن تأثيرها على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة وسوريا ولبنان والضفة الغربية، حيث تقوض مخططات الجيش، لاسيما في القطاع.

وفي ظل أزمة العرائض والتهرب من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، بسبب الحرب على غزة، قررت قيادة الجيش الإسرائيلي تقليص عدد قوات الاحتياط في مناطق القتال، وتقليص أوامر الاستدعاء المرسلة لهم.

وذكرت صحيفة "هآرتس" أن الجيش بدأ يزج بمزيد من الوحدات النظامية إلى غزة لتقليل الاعتماد على جنود الاحتياط، لكن العديد منهم يجدون صعوبة في الامتثال للأوامر لأسباب مختلفة.

ويعتقد القادة في الجيش الإسرائيلي أن عدم ثقة جنود الاحتياط بالمهمة التي تنتظرهم قد يضر بالخطط العملياتية، ومن الواضح أن هناك صعوبة في تنفيذ الخطط القتالية في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية.

ونقلت "هآرتس" عن مصادر في الجيش أن رد فعل رئيس الأركان إيال زامير، وقائد سلاح الجو تومر بار، بشأن إقالة الموقعين على العريضة الأولى، غير صائب، وأنهم لم يتوقعوا الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي زامير/ الأناضول
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي زامير/ الأناضول

وتعتقد المصادر في الجيش أن أزمة الاحتياط أصبحت أكبر بكثير مما يتم تصويره أمام الرأي العام، كما يرى كبار المسؤولين العسكريين أيضاً أنه ينبغي التطرق إلى العواقب الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن الأزمة.

في الإطار، حذّر رئيس الأركان الإسرائيلي من أن النقص في القوات يحد من قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف حربها على قطاع غزة.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تحذير زامير يؤكد على الفجوة المتزايدة بين القدرة العملياتية للجيش والتطلعات السياسية الأوسع للحكومة.

وتذكر الصحيفة الإسرائيلية أن إخراج الموقعين على العرائض من الخدمة سيلحق أضراراً بالغة بالقدرة العملياتية للجيش الإسرائيلي، الأمر الذي من شأنه أن يضع زامير في زاوية أكثر تهديداً.

فيما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن أحد ضباط قوات الاحتياط أنه بعد مرور عام ونصف على اندلاع الحرب، تواجه قوات الاحتياط في الجيش أزمة متزايدة، حيث تتراجع الدافعية لديهم، وإذا لم يحدث أي تغيير حقيقي، فلن يكون هناك من يقاتل في الحرب المقبلة.

وأضاف الضابط أن الجيش الإسرائيلي وصل إلى أقصى حدوده هذه الأيام، والمهام تتزايد في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والقدس، وما يجري هو علامة تحذيرية لا يمكن لصناع القرار أن يتجاهلوها، فقوات الاحتياط العمود الفقري للجيش الإسرائيلي، وهي تنهار تحت وطأة العبء.

ويقول الكاتب في صحيفة "هآرتس" أوري مسفاف، إن تسونامي العرائض التي تدعو إلى عودة المختطفين وإنهاء الحرب ما هو إلا جزء مما يجري داخلياً، حيث تتكشف أزمة استقرار بين جنود الاحتياط المنهكين الذين فقدوا الثقة في الحكومة المهملة والمراوغة.

وتابع بأن هذه الحرب ليس لها إجماع في الأوساط الإسرائيلية، وليس لديها ما يكفي من الجنود، مضيفاً أن وقف الحرب على غزة أمر جيد لإسرائيل، لأنها سوف تدفع ثمناً مؤلماً إذا أصرت على العودة إلى القتال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق