مناورات “غير مسبوقة” وصفقات عسكرية في الطريق.. تفاصيل التقارب المصري مع الصين وكيف ستواجه القاهرة “الغضب” الأميركي؟ - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثارت التدريبات العسكرية المشتركة بين الجيشين المصري والصيني تساؤلات عديدة حول رسائلها وأهدافها، في وقت تشهد فيه الحدود مع قطاع غزة اضطراباً متصاعداً في ظل الانتشار العسكري للاحتلال الإسرائيلي واستمرار الحشد العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء.

ويتزامن ذلك مع ما يمكن تسميته بـ "عسكرة منطقة الشرق الأوسط" في ظل حالة الاستنفار الأميركية في بؤر مختلفة، إلى جانب الدعم غير المحدود من جانب الولايات المتحدة لدولة الاحتلال على حساب باقي حلفاء واشنطن، وفي مقدمتهم مصر التي تحاول إحداث قدر من التوازن العسكري في المنطقة.

وأطلق سلاحا الجو المصري والصيني مناورات مشتركة تُعد الأولى من نوعها، باسم "نسور الحضارة 2025"، بمشاركة آليات ومعدات ومقاتلات متعددة المهام، بينما تسعى القاهرة لعقد صفقات تسليح مع بكين من شأنها أن تثير قلقاً لدى واشنطن وحليفتها الأولى في المنطقة، إسرائيل.

عدم اكتفاء مصر بالسلاح الغربي

حسب الجيش المصري، فإن عدداً من الطائرات المقاتلة المتعددة المهام من مختلف الطرازات تشارك في التدريبات بين الجيشين المصري والصيني، التي يتم تنفيذها بإحدى القواعد الجوية، دون الإفصاح عن مكانها. وأشار إلى أنه "من المنتظر أن يشهد التدريب تنفيذ عدد من المحاضرات النظرية والعملية لتوحيد المفاهيم القتالية.. وتنفيذ طلعات جوية مشتركة والتدريب على أعمال التخطيط وإدارة أعمال قتال جوية".

وقال مصدر عسكري مطّلع، إن التدريبات تحمل أوجهاً مختلفة، إذ إنها تُعد استكشافاً لطبيعة التعاون العسكري بين القاهرة وبكين، والذي من المتوقع أن يتزايد في وتيرته خلال الفترة المقبلة، انعكاساً على مجموعة من المميزات التي يحققها الحصول على السلاح الصيني، في مقدمتها أسعاره المشجعة، وإمكانية شرائه بالعملة المحلية، وكذلك قدراته المتطورة التي تحتاجها القاهرة لتدعيم سلاح الجو.

كما أنه يبرهن على أن القاهرة ماضية في تنويع علاقاتها العسكرية، وعدم الاكتفاء بالمحور الغربي الذي يضع مزيداً من العراقيل على توريدات السلاح إلى القاهرة، بينما يواصل تقديم دعم غير محدود لإسرائيل، خاصة من جانب الولايات المتحدة.

وأضاف المصدر ذاته، في تصريح لـ "عربي بوست"، أن القاهرة من خلال التدريبات بين الجيشين المصري والصيني، ترسل إشارات إلى واشنطن بأنها ليست مضطرة للاكتفاء بما يتم توريده من أسلحة أميركية، خاصة تلك التي تتعلق بأسلحة دفاع جوي متطورة والطائرات الحربية.

وإذا كانت بعض الدول الأوروبية تضع في حساباتها موازين القوى في المنطقة، ومن الممكن أن تخضع لبعض ضغوط إسرائيل بشأن عدم إتاحة الأسلحة التي تحصل عليها القاهرة بجميع قطع التشغيل، فإن مصر تبرهن على أن التوجه إلى المعسكر الشرقي سيكون سبيلاً لها، وأن الصين يمكن أن تبقى وجهة جيدة لها مع تراجع قدرات روسيا على توريد كميات كبيرة من الأسلحة بسبب الحرب مع أوكرانيا.

ولفت المصدر إلى أن القاهرة لديها رغبة ملحة في الحفاظ على توازن عسكري جيد لقواتها الجوية مع قدرات إسرائيل، التي حصلت منذ فترة على طائرات إف 35 المتطورة، فيما يعتمد سلاح الجو المصري على سلاح إف 16.

وأشار إلى أن الردع الجوي يبقى مهماً، ليس لأسباب هجومية، ولكن من أجل التأكيد على القدرة على التعامل مع أي تهديدات يمكن أن تأتي من خارج الحدود أو تبقى بحاجة للتعامل معها وردعها، وأن ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الصينية يدفع إلى ضرورة الاستفادة منها.

وأشار إلى أن القاهرة لن تجد اعتراضات صينية بشأن طبيعة الأسلحة التي تسعى للحصول عليها، بعكس فرنسا مثلاً التي خضعت سابقاً لضغوطات إسرائيلية حالت دون تزويد مصر بصواريخ متقدمة ضمن صفقة طائرات "الرافال".

كما أن توجه القاهرة الحالي لا يرتبط بالتطورات الراهنة في المنطقة وحالة التصعيد المستمرة في قطاع غزة، بقدر ما يعبر عن إستراتيجية تبناها الجيش المصري منذ ما يقرب من 12 عاماً، وترتكز على تنويع مصادر أسلحته.

ما هي الأسلحة الصينية التي تريدها مصر؟

استثمرت مصر بصورة كبيرة في ترسانتها العسكرية، ومنذ عام 2014 وسعت مصر من مشترياتها العسكرية، فبين عامي 2015 و2019 أصبحت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وثاني أكبر مستورد للأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد السعودية.

ووفق معهد ستوكهولم المتخصص في البحوث العسكرية، فإن واردات مصر من السلاح الأميركي تراجعت إلى 23 في المئة من إجمالي وارداتها من السلاح خلال العقد الماضي، مقارنة بـ75 في المئة خلال العقد الأول من القرن الـ21.

وقال مصدر عسكري آخر، إن المناورات المصرية الصينية تُعد مقدمة لتعاون عسكري متقدم بين الطرفين، وإن القاهرة هدفت إلى أن تستكشف الأسلحة الصينية التي تنوي شراءها أو تضعها ضمن قائمة بنك أهدافها خلال الفترة المقبلة لتطوير السلاح الجوي.

وأوضح المصدر أن أبرز تلك الأسلحة التي تستهدفها القاهرة هي المقاتلات الصينية متعددة المهام "تشنغدو – جي 10″، وكذلك المقاتلة "جي 31″، وأن طبيعة المناورات وما سوف يسفر عنها يُعد مقدمة لإمكانية التقدم بطلب لشرائها في المستقبل القريب.

وأشار المصدر ذاته إلى أن المقاتلات الأميركية "إف 16" أو "ميغ 29" الروسية لا تتوفر لديها الإمكانيات المتطورة لدى المقاتلات الصينية، إذ إن الطائرة "جي 10" متعددة المهام من الجيل الرابع، ولديها قدرات متطورة في الحرب الإلكترونية، وتتعامل مع أنظمة التشويش، ولديها أنظمة رادارات متطورة.

" frameborder="0">

وهي نفس المميزات التي تتوفر عليها طائرة "جي 31″ التي يتم وصفها بـ"المقاتلة الشبحية" من الجيل الخامس، وتتماشى مع أنظمة إلكترونيات الطيران الحديثة، مشيراً إلى أن القاهرة قد تنتظر مزيداً من تحديثات تلك الطائرات قبل الحصول عليها.

ولفت إلى أن الطائرات الصينية تُعد الأقرب من حيث القوة إلى مقاتلات "إف 35″، وأن الحصول عليها سيكون له تبعاته على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن الضغوطات التي تعرضت لها القاهرة حين سعت للحصول على مقاتلات "إس إس 400" الروسية من المتوقع أن تتعرض لها عند إبرام الصفقات الصينية.

لكن هذه المرة يمكن أن تمضي القاهرة قدماً في تمرير الصفقة لإحداث التوازن العسكري المطلوب على مستوى سلاح الجو، وفق ما أوضحه المصدر العسكري لـ"عربي بوست".

وذكر المصدر ذاته أن القاهرة تضع في حسبانها كافة الاحتمالات، ولذلك فإنها قد تُبرم صفقات مماثلة مع كوريا الجنوبية من أجل الحصول على طائرات "إف إيه – 50″، وهي قريبة في الإمكانيات من طائرات "إف 16" الأميركية، إلى جانب أنواع أخرى من الطائرات الهجومية.

وقد يتم ذلك عبر تدشين تعاون عسكري مشترك يضمن تصنيع هذه الطائرات في مصر، وهو توجه بدأت القاهرة في الذهاب إليه لتطوير قدراتها على التصنيع المحلي، في ظل قدرات جيدة أثبتتها المصانع الحربية نحو التعامل مع قطع الغيار وتصنيعها.

وفي عام 2016، وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الكوري الجنوبي آنذاك مون جاي-إن، اتفاقية شاملة لتعزيز التعاون العسكري والتجاري بين البلدين.

وقد تمخض عن ذلك إهداء كوريا الجنوبية لمصر فرقاطة من طراز "بوهانغ" في عام 2017، بالإضافة إلى صفقة بقيمة 1.66 مليار دولار في عام 2023، تضمنت شراء نحو 216 مدفعاً ذاتي الحركة من طراز "K9" من شركة "هانوا"، وعدد غير مُعلن من مركبات تزويد الذخيرة "K10″، و51 مركبة "K11" مخصصة لتوجيه نيران المدفعية.

وقيدت السياسات الأميركية، المرتبطة بحقوق الإنسان والسياسات الإقليمية، قدرة مصر على تحديث أسطولها من مقاتلات "إف 16". ففي عام 2013، جمدت واشنطن المساعدات العسكرية لمصر، ما أدى إلى تأخير في تطوير الطائرات الأميركية التابعة لسلاح الجو المصري.

كما فُرضت قيود على الرادارات المتقدمة والصواريخ بعيدة المدى، ما أثّر سلباً على القدرات الجوية الإقليمية للقاهرة، وفي الوقت نفسه، منعت العقوبات الأميركية مصر من اقتناء طائرات روسية.

الدفاع عن الأمن القومي لمواجهة التهديدات

وفقاً لتصنيف "غلوبال فاير باور" لعام 2025، يحتل الجيش المصري المرتبة الـ19 عالمياً، مما يجعله الأقوى عربياً وأفريقياً. تمتلك القوات الجوية المصرية أسطولاً كبيراً من الطائرات المقاتلة، بما في ذلك طائرات "إف 16" الأميركية الصنع، وطائرات "رافال" الفرنسية.

وتُعد الطائرات الأميركية "إف 16" العمود الفقري للقوات الجوية المصرية، مع أكثر من 200 من هذه الطائرات في مخزونها، وهي مقاتلة متعددة المهام، قادرة على القيام بمهام جو – جو وجو – أرض.

وتشغل مصر مجموعة متنوعة من الطائرات المروحية، بما في ذلك مروحيات "أباتشي" (AH-64 Apache) الأميركية الصنع، وهي طائرة هليكوبتر هجومية ذات مقعدين، مجهزة بأجهزة استشعار وأنظمة أسلحة متطورة، وفقاً لما أفاد به موقع "ديفينس أرابيك".

كما تمتلك مصر طائرة هليكوبتر "كي إيه 52" (KA52)، وهي أيضاً طائرة هليكوبتر هجومية روسية ذات مقعدين، مزودة بأجهزة إلكترونية حديثة خاصة بالطيران، وأنظمة متقدمة.

وبحسب خبير عسكري مصري، فإن خريطة العلاقات العسكرية لمصر أخذت في التغير كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية، والاتجاه يبدو أكثر نحو الدول الآسيوية التي لديها قدرات متطورة في صناعة أسلحة ومسيرات يُعتمد عليها بكثافة حالياً في ميادين القتال المختلفة.

وقال الخبير العسكري إن مصر لا تعادي الولايات المتحدة بتلك الخطوات، لكنها ترفض أن ترضخ لمطالبها فيما يتعلق بتطوير القدرات العسكرية التي تُشكّل ركيزة أساسية للدفاع عن الأمن القومي، وتستهدف القاهرة الحفاظ على مصالحها في ظل تنامي التهديدات الوجودية التي يتسبب فيها استمرار الصراع في المنطقة.

وأكد المتحدث لـ"عربي بوست" أن وصول القوات الإسرائيلية إلى رفح الفلسطينية على الحدود المصرية المباشرة أمر مرفوض من جانب مصر، وهناك سبل دبلوماسية نحو الاتجاه لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، لكن الخطط العسكرية الإسرائيلية يبدو أنها ماضية في تحقيق أهداف لا تتماشى مع المصالح العربية بوجه عام، والمصرية على وجه التحديد.

وأوضح أن هذا الأمر لا تتعامل القاهرة معه بأسلوب ردة الفعل، لكنها تضع في حسبانها احتمالات التمدد للصراع في المنطقة، واتجهت منذ سنوات نحو تنويع مصادر السلاح، والبحث عن سبل تجعل قرارها في التعامل مع الأخطار القومية بيدها لا بيد أطراف أخرى خارجية.

ولفت إلى أن تنامي الاستثمارات الصينية والآسيوية في مصر بوجه عام يدفع نحو ضرورة تعزيز الشراكات العسكرية معها، إذ إن بكين تبقى لديها رغبة في حماية استثماراتها ومصالحها.

كما أن القاهرة تنفتح على مجالات التصنيع العسكري المتقدمة لأكثر ثالث قوة عسكرية حول العالم، وأشار الخبير العسكري إلى أن القلق الذي ينتاب دوائر إسرائيلية يتماشى مع التهويل المستمر من تواجد الجيش المصري على أرضه في سيناء.

عربة تابعة للجيش المصري على الحدود مع قطاع غزة/ رويترز
عربة تابعة للجيش المصري على الحدود مع قطاع غزة/ رويترز

وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن التوتر بين القاهرة وتل أبيب يتصاعد مع تزايد نشر القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء، وسط مخاوف إسرائيلية من خرق اتفاق السلام، لا سيما مع وجود مناورات عسكرية مصرية صينية غير مسبوقة.

وذكر التقرير، الثلاثاء 22 أبريل/نيسان 2025، أن العلاقات بين إسرائيل ومصر تشهد تراجعاً ملحوظاً منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، في ظل تصاعد القلق المصري من انهيار الحدود مع القطاع، واحتمال تسلل جماعي من سكان غزة إلى سيناء.

وأضاف في هذا السياق: "تتكثف التقارير حول نشر الجيش المصري لقوات كبيرة في سيناء، بشكل اعتبرته جهات إسرائيلية خرقاً لاتفاقية السلام بين البلدين".

وبحسب التقرير، الذي تطرق إلى المناورات المصرية الصينية بمشاركة مقاتلات من طراز (J-10C)، وطائرات للتزود بالوقود من طراز (YU-20)، وطائرات إنذار مبكر (KJ-500)، إلى جانب عشرات الطائرات الأخرى.

ونقلت الهيئة تأكيد خبير عسكري صيني لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، أن هذه الطائرات تمثّل العمود الفقري لسلاح الجو الصيني، مشيراً إلى أن المناورة تهدف إلى تعزيز التعاون الدفاعي مع مصر، وتحديث قدرات جيشها، خصوصاً في مجال الطيران.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق