حملة رقمية بلباس طائفي.. “عربي بوست” يكشف كيف أجّجت شبكة حسابات بعضها أجنبية خطاب الكراهية بين السوريين خلال أحداث جرمانا - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يكشف تحليل أجراه "عربي بوست" لمحتوى تغريدات على موقع X، نُشرت بالتزامن مع الاقتتال الحاصل في مدينة جرمانا بريف دمشق، عن دور مئات الحسابات – كثير منها لا يديرها سوريون – في استغلال التوترات الحاصلة والمساهمة في تأجيج مشاعر الكراهية، وتوسيع انتشار الخطاب الطائفي بين السوريين.

التغريدات التي رصدها التحليل تضمنت محتوى طائفياً وتحريضياً موجهاً ضد شرائح مختلفة من المجتمع السوري، ووجدت طريقها إلى الانتشار الواسع عبر مئات الحسابات الأخرى، كثير منها مجهول الهوية، وذلك بالتزامن مع أحداث جرمانا.

هذه الحسابات أعادت نشر تغريدات محددة مرتبطة بأحداث جرمانا، أو علّقت عليها، أو اقتبستها مع إضافة نصوص ومقاطع مرئية ذات طابع طائفي، ما ساهم في تضخيم هذا النوع من الخطاب وسرّع من انتشاره في الفضاء الرقمي.

شمل التحليل 5300 تغريدة عن سوريا ومتعلقة بأحداث جرمانا وصحنايا، وجُمعت من شبكة الحسابات التي تم رصدها، والحسابات الأخرى التي تفاعلت معها، خلال الفترة من مساء يوم 28 أبريل/ نيسان 2025، حتى فجر يوم 30 أبريل 2025، وهي الفترة التي بلغ فيها الاقتتال ذروته.

يشير محتوى التغريدات المنتشرة إلى تركيز متعمد على استحضار البُعد الطائفي، واستخدامه كأداة لتأجيج التوترات بين السوريين وإثارة الانقسام بينهم، لكون هذه القضية تمثل موضوعاً حساساً.

ولا يتجاهل هذا التحليل حقيقة أن بعض السوريين تبنَّوا خطاباً طائفياً، ونشروا محتوى كراهية ضد بعضهم خلال أحداث جرمانا وصحنايا، لكنه يسلّط الضوء على الطريقة التي تم فيها استغلال هذا الخطاب وتضخيمه من قبل حسابات هدفت إلى زيادة التوتر وتأجيج مشاعر الكراهية.

تواصلت "عربي بوست" مع وزارة الإعلام السورية، لسؤالها عن تحرّكات الحكومة تجاه انتشار خطاب الكراهية بين بعض السوريين، وذكر مصدر في الوزارة أنه "يتم العمل على إعداد قوانين تجرّم الخطاب الطائفي، وجرائم المعلوماتية".

تزامن هذا التضخيم مع صدور دعوات سورية داخلية تطالب بنبذ الخطاب الطائفي والعمل على تهدئة التوترات، وفي وقت كانت تُبذل فيه جهود محلية على الأرض لوقف الاقتتال.

شبكة الحسابات المرصودة تُظهر وجود 4 أنماط رئيسية من الحسابات الفاعلة، تشترك في المساهمة في تضخيم الخطاب الطائفي المرتبط بأحداث جرمانا وصحنايا، وسنتناولها بالتفصيل في الفقرات المقبلة:

1- حسابات لبنانية وعراقية: تتبنى مواقف موالية لرئيس النظام المخلوع بشار الأسد، ولـ"حزب الله" وإيران، وتُظهر عداءً صريحاً للإدارة السورية الجديدة، وغلب على محتواها استخدام خطاب طائفي موجّه نحو الأحداث في سوريا.

2- حسابات لموالين للأسد: أظهر تتبع تغريدات هذا النوع من الحسابات أنها كانت تُظهر دعماً دائماً لنظام الأسد وتهاجم المعارضين له، واللافت أن بعضها، رغم مهاجمتها سابقاً لأبناء السويداء خلال احتجاجاتهم ضد الأسد، نشرت خلال الاقتتال في جرمانا تغريدات توحي بدعمهم للسويداء، وهو ما سنعرض أمثلة عنه في الفقرات المقبلة.

3- حسابات إسرائيلية: تحظى بحضور قوي في الفضاء الرقمي العربي، وتُعنى بنشر خطاب طائفي يدعو إلى تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية بحجة "حماية الأقليات"، وتروّج لفكرة "حماية الأقليات" كمبرر للهجمات والتدخلات الإسرائيلية في سوريا، وبعضها تديرها شخصيات معروفة، وأخرى تُعد جزءاً من لجان إلكترونية مؤيدة لإسرائيل.

4- حسابات مجهولة: تُشكّل ما يشبه "حلقة الوصل الرقمية" بين الأطراف الثلاثة السابقة، وتعيد نشر محتواها بشكل مكثف، ما يوسّع دائرة انتشاره.

تتسم هذه الحسابات بـ:

استخدام أسماء مستعارة

افتقارها إلى صور شخصية حقيقية

زعمها التواجد في بلدان مختلفة، ما يُصعّب تتبع مصادرها

تُثير طبيعة نشاطها على منصة X، خصوصاً في أوقات الأزمات، احتمالية أن تكون جزءاً من "لجان إلكترونية" تعمل على تضخيم نشر تغريدات وخطاب معيّن خلال فترة زمنية محدودة.

وأوضح تحليل التغريدات وجود نشاط ملحوظ لحسابات أُنشئت حديثاً، قبيل وخلال حدوث الاقتتال في جرمانا، وكتبت تغريدات طائفية، إذ تبيّن أن ما لا يقل عن 54 حساباً من الحسابات التي تفاعلت مع تغريدات تضمنت محتوى طائفياً، أُنشئت خلال يوم 29 أبريل 2025 فقط، وبعضها أُنشئ في ذات الوقت.

في حين بلغ عدد الحسابات الجديدة التي أُنشئت منذ يوم سقوط الأسد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وحتى 29 أبريل/ نيسان 2025، 137 حساباً، وتفاعلت هذه الحسابات بشكل ملحوظ من خلال إعادة نشر تغريدات حملت طابعاً طائفياً.

حسابات تم إنشاؤها خلال اقتتال جرمانا، وساهمت في نشر محتوى طائفي حول سوريا – عربي بوست

شمل التحليل أيضاً مراجعة مجموعة الوسوم (الهاشتاغات) التي رُوّج لها في تغريدات الحسابات التي رصدناها، والمرتبطة بأحداث جرمانا، وتبيّن أن العديد منها حمل طابعاً طائفياً واضحاً، وبعضها تضمّن معلومات مضللة وخاطئة وتُثير الكراهية.

من بين الوسوم البارزة: "#حماية_الأقليات"، و"#محرقة_العلويين_في_سوريا"، و"#أوقفوا_الانتهاكات_بحق_الأقليات_في_سوريا"، إضافة إلى وسوم تركّز على مناطق جرمانا، والساحل، والدروز، والعلويين.

أحداث جرمانا
هاشتاغات تم تداولها خلال الحديث عن أحداث جرمانا، وبعضها حمل طابعاً طائفياً – عربي بوست

التركيز على نشر محتوى معين على شبكة X 

بغرض تقريب الصورة أكثر للقارئ حول تضخيم نشر محتوى معين على شبكة X، صممنا هذا التصور المرئي الذي يُظهر التغريدات الأصيلة التي نشرتها حسابات معيّنة (مُمثّلة باللون البرتقالي) حول أحداث جرمانا وصحنايا، وكيف تولّت عشرات الحسابات مهمّة نشر التغريدة الأصيلة من خلال إعادة تغريدها بكثرة والتعليق عليها (مُمثّلة باللون الأزرق).

أحداث جرمانا
تصوير مرئي لحسابات نشرت محتوى بصبغة طائفية حول أحداث جرمانا، وتضخَّم انتشاره من قبل حسابات أخرى – عربي بوست

أظهر تحليل البيانات وجود مجموعات واضحة من الحسابات الزرقاء ارتبطت بعدة حسابات تنشر تغريدات أصيلة، ما يعني أنها لم تقتصر على إعادة نشر محتوى حساب واحد، بل تفاعلت مع أكثر من حساب من الحسابات التي نشرت خطاباً طائفياً خلال أحداث جرمانا.

هذا النمط من الحسابات يلعب دور "العُقد الوسيطة"، التي تمارس دوراً محورياً في عمليات التضخيم، إذ تسهم في نقل المحتوى من عدّة حسابات محددة، ويشير تواجدها إلى وجود مهمّة مركّزة على نشر محتوى معيّن خلال فترة زمنية محدّدة.

أحداث جرمانا
مجموعة حسابات لعبت دوراً رئيسياً في نشر محتوى طائفي، من حسابات بعضها أجنبية، حول أحداث جرمانا – عربي بوست

وتزامن انتشار خطاب الكراهية والتحريض الطائفي مع توترات شهدتها مدينة جرمانا فجر الثلاثاء 29 أبريل/ نيسان 2025، إذ اندلعت مواجهات عنيفة بين مقاتلين محليين ومسلحين، بعدما انتشر تسجيل صوتي مسيء إلى النبي محمد (ص). وقالت الحكومة السورية في بداية الاقتتال إن العناصر التي اشتبكت مع مقاتلين في جرمانا ليسوا تابعين لها.

في البداية، نُسب التسجيل إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية، لكن الحكومة أعلنت أن التحريات أثبتت عدم صحة نسبة التسجيل إلى الشخص المتهم، وقالت إنها فتحت تحقيقاً في الحادثة.

كذلك أصدرت "الهيئة الروحية للمسلمين الموحّدين الدروز" في السويداء بياناً رفضت فيه محتوى التسجيل وأعلنت تبرؤها منه. واتسع بعد ذلك الاقتتال ووصل إلى صحنايا بريف دمشق، وقالت الحكومة السورية إن مواجهات اندلعت هناك بين قواتها و"مجموعات خارجة عن القانون"

تسببت المواجهات في مقتل ما لا يقل عن 16 شخصاً، وذلك قبل أن يتم التوصل إلى تهدئة واتفاق حول السويداء وجرمانا. 

حسابات لبنانية وعراقية تدخل على خط التأجيج الطائفي

بيّن رصد الحسابات التي غرّدت بشكل مكثف حول الاقتتال في جرمانا وصحنايا نشاطاً واضحاً لعدد من الحسابات العراقية واللبنانية، التي ركّزت تغريداتها بشكل رئيسي على التوترات في المدينة، بين 28 أبريل/ نيسان وحتى 30 أبريل/ نيسان 2025.

تضمنت التغريدات محتوىً يدعو الفصائل المسلحة في جرمانا إلى الاستمرار في الاقتتال ومواجهة السلطات السورية، وحفّزها على التمسك بالسلاح، إضافة إلى نشر تغريدات تحمل طابعاً تخويفياً، أو تتضمّن إساءات مباشرة لمكوّن سوري معيّن وتُظهر دعماً لمكوّن آخر، بشكل يؤجّج مشاعر الكراهية.

لجأت حسابات إلى استخدام لغة طائفية مباشرة، عبر نشر عبارات وجُمل تُشيطن طرفاً سورياً وتُحرّضه ضد الآخر، في مسعى إلى تكريس الكراهية والانقسام.

من بين أبرز الحسابات العراقية، برز حساب "نمير الكواك" الذي يتابعه 136 ألف مستخدم على موقع X، إضافة إلى 88 ألفاً في قناته على تلغرام. يؤيّد الحساب فصائل الحشد الشعبي في العراق، و"حزب الله" وإيران، وينشر تغريدات عن سوريا تحمل طابعاً طائفياً.

نشر "الكواك" مقطع فيديو يُظهر جانباً من الاشتباكات في جرمانا، وعلّق عليه باستخدام عبارات طائفية، كما نشر تغريدة أخرى زعم فيها بأن "علويي سوريا يشكرون أكراد ودروز سوريا لمواقفهم"، ونشر ما قال إنها "مطالب العلويين للمجتمع الدولي بالحماية، وإقامة إقليم للعلويين".

وأظهر تحليل تفاعل الحسابات الأخرى مع منشورات الكواك وجود حسابات بأسماء وصور مجهولة قامت بنشر محتوى تغريداته عن أحداث جرمانا على نطاق واسع، وبعضها تم إنشاؤه حديثاً.

يقتصر نشاط هذه الحسابات بشكل رئيسي على إعادة التغريد، وبعضها أعادت نشر أكثر من تغريدة من حساب "الكواك" حول جرمانا بفارق زمني قليل.

جزء من حسابات مجهولة أعادت نشر أكثر من تغريدة من الحساب العراقي حول أحداث جرمانا، خلال فترات زمنية متقاربة – عربي بوست
يظهر التصوير المرئي لنشاط الحسابات التي نشرت تغريدات بمحتوى طائفي حول أحداث جرمانا، كيف تم تضخيم نشر تغريدات الحساب العراقي – عربي بوست
مجموعة حسابات تعمّدت نشر محتوى من الحساب العراقي حول أحداث جرمانا، وفي نفس الوقت نشر محتوى مشابه من حسابات أخرى – عربي بوست

ينشر الكواك أحياناً تغريدات مضللة، إذ ادعى في تغريدة نشرها يوم 4 مارس/ آذار 2025، أن مؤيدين للرئيس أحمد الشرع رفعوا العلم الإسرائيلي في سوريا، لكن التحقق من روايته أظهر أن العلم رُفع في دوار العنقود بالسويداء من قبل مجهولين، وتمت إزالته لاحقاً من أبناء المنطقة الذين أحرقوه رفضاً له.

برز أيضاً حساب عراقي آخر باسم "علي الشمري"، الذي نشر تغريدات تضمنت عبارات طائفية، وتُظهر مراجعة تغريداته القديمة أن الشمري عمد إلى استغلال التوترات الحاصلة في جرمانا، حيث وصف في تغريدة كتبها عام 2024 "الدروز بأنهم صهاينة"، بحسب تعبيره، لكنه غيّر موقفه فجأة مع اندلاع الاشتباكات في جرمانا، وكتب تغريدة وصف فيها "القتلى من الدروز بالشهداء"، بحسب قوله.

عينة من مجموعة حسابات مجهولة ساهمت في تضخيم انتشار تغريدات الحساب العراقي حول أحداث جرمانا – عربي بوست

وتضم شبكة الحسابات العراقية الأخرى التي تفاعلت مع محتوى طائفي حول ما يجري في سوريا عدداً من الحسابات التي تتسم بسلوك متشابه، يتمثّل في إعادة التغريد والتعليق على منشورات محددة دون إنتاج محتوى أصلي.

يتشابه هذا النمط إلى حدٍّ كبير مع عمل "اللجان الإلكترونية"، وهي مجموعة من الحسابات تُخفي هويتها الحقيقية، وتركّز عملها على تضخيم محتوى معيّن خلال فترة زمنية محددة، ما يضاعف من وصول التغريدات.

من الحسابات غير السورية التي كثّفت أيضاً من نشر محتوى بصبغة طائفية عن أحداث جرمانا، برزت حسابات لبنانية، وأظهر البحث في تغريداتها القديمة أنها كانت تؤيّد بشار الأسد، وتتخذ الآن موقفاً سلبياً من السلطة الجديدة التي أطاحت بالنظام.

من بين أبرز الحسابات اللبنانية، حساب "abu ali الديراني"، والذي يعرّف نفسه في حسابه بأنه كاتب وناشط إعلامي، والحساب موالٍ لإيران، و"حزب الله"، وبشار الأسد.

بين 28 وفجر 30 أبريل/ نيسان 2025، نشر الحساب ما لا يقل عن 8 تغريدات حول جرمانا، بينها تغريدة أشاد فيها بحمل فصائل مسلحة في جرمانا للسلاح وقتالها السلطات السورية، وزعم أن السلطات في سوريا تعهدت بحماية العلويين "ثم غدرت بهم وذبحتهم"، بحسب قوله.

نشر الديراني تغريدة أخرى يوم 29 أبريل/ نيسان 2025، زعم فيها أن من وصفهم بـ"عصابات الجولاني" – في إشارة إلى قوات الأمن العام والجيش – هاجموا محافظة السويداء، وهي معلومة خاطئة، إذ لم تشهد السويداء هجوماً عليها في ذلك اليوم.

تغريدة مُضللة من الحساب اللبناني – موقع X

على نحو مماثل لما أظهره التحليل حول محتوى حسابات عراقية عن جرمانا وصحنايا، فإن تغريدات نشرها حساب "الديراني" حظيت بتضخيم من قِبل حسابات متعددة، بعضها مجهول الهوية، وأخرى أعادت تغريد أكثر من منشور له خلال فواصل زمنية قصيرة جداً.

تعمّدت حسابات إعادة نشر محتوى الحساب اللبناني عن جرمانا بفوارق زمنية قليلة – عربي بوست

إلى جانب حساب "الديراني"، برز أيضاً حساب لبناني آخر باسم "Ghaleb Ghosn"، تناول أحداث جرمانا مستخدماً خطاباً طائفياً، وأظهر الحساب أيضاً تأييده للضربات التي وجّهتها إسرائيل إلى قوات الأمن العام السورية خلال اشتباكات وقعت في صحنايا.

يبرز أيضاً حساب لبناني مؤيّد لـ"حزب الله" وإيران وبشار الأسد، وهو حساب باسم "AHMAD SLMAN"، الذي، وبالتزامن مع الاقتتال في جرمانا، نشر تغريدات توحي بوجود ارتباط بين إسرائيل والدروز في سوريا.

وسبق أن أعرب بعض مشايخ العقل في الطائفة الدرزية في سوريا عن رفضهم التدخل الإسرائيلي في سوريا بذريعة حماية الدروز، ورفضوا الإشارة إلى أي ارتباط بينهم وبين الاحتلال.

حسابات موالية للأسد استغلت أحداث جرمانا

دخلت حسابات موالية لبشار الأسد على خط استغلال التوترات في جرمانا، وأسهمت في نشر خطاب طائفي وتحريضي على نحو واضح. ولعبت هذه الحسابات دورين رئيسيين:

الأول: نشر محتوى يتضمّن خطاب كراهية وتحريضاً على أسس طائفية.

الثاني: إعادة تغريد مكثّفة لمحتوى صادر عن حسابات سورية وأخرى أجنبية حول الأحداث في جرمانا، واتسمت تغريداتها بمحتوى طائفي.

من بين الحسابات البارزة، حساب باسم "جورج خوري"، وهو حساب لديه العديد من التغريدات التي كان يؤيّد فيها بشار الأسد خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من أن الشخص الذي يدير الحساب الآن يزعم أنه لا علاقة له بالتغريدات المكتوبة قبل بداية العام 2025، إلا أنه كثّف من نشر تغريدات طائفية متعلقة بالأحداث في جرمانا.

يروّج الحساب لفكرة أن "الأقليات مُحقة بطلبها للحماية"، وهو ما ذكره في تغريدة نشرها بالتزامن مع احتدام الاقتتال في جرمانا وصحنايا.

في تغريدة أخرى، نشر الحساب فيديو  قال فيه إن "عصابات الجولاني"، بحسب تعبيره، تستهدف البيوت وأي شخص يروْنه أمامهم في أشرفية صحنايا، إلا أن الفيديو يُظهر مواجهات بين مقاتلين، دون أي مشاهد أو أدلة توثّق استهداف مدنيين أو منازل.

برز حساب آخر باسم "Vendetta – ڤينديتا"، وكان هذا الحساب حساباً شخصياً، ظلّ معدّل النشر فيه منخفضاً حتى تاريخ سقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، ومنذ ذلك الحين، غيّر الحساب اسمه إلى "سوريا العلمانية"، ثم إلى "ڤينديتا" في مارس/ آذار 2025.

خلال الأحداث التي شهدها الساحل السوري في آذار 2025، نشر الحساب عدداً من التغريدات ذات محتوى مضلّل، واستغلّ حادثة الاقتتال في جرمانا، ونشر مزاعم تحدثت عن "إبادة الطائفة الدرزية".

من بين الحسابات الموالية أيضاً، حساب "Sam M.H.L"، الذي تناول حادثة جرمانا بخطاب تحريضي، وفي الوقت ذاته حاول أن يربط بين التوترات الحاصلة وبين رحيل الأسد، بطريقة توحي بأن التوترات حدثت نتيجة لإزاحة الأسد عن السلطة.

حسابات مجهولة ضخّمت من نشر تغريدة حساب Sam M.H.L عن الأسد، التي نشرها بالتزامن مع أحداث جرمانا

تضمنت تغريدات أخرى لحسابات موالية للنظام محتوى يتشفّى بإراقة الدماء في جرمانا وصحنايا، وأخرى كثّفت من نشرها لتصريحات مرتبطة بموقف إسرائيل من الاقتتال الذي حصل في جرمانا وصيدنايا، إضافة إلى نشر محتوى مضلّل، كالزعم بأن مقاتلين أجانب يقتحمون صحنايا دون تقديم أدلة على ذلك.

تضم شبكة الحسابات الموالية للأسد أيضاً حسابات بأسماء مجهولة، بعضها اتخذ من أسماء الطوائف اسماً لها، وأخرى تضع علم النظام، وتتـشابه في سلوكها من حيث طبيعة المحتوى الذي تنشره، والحسابات التي تعيد نشر محتواها، وتستخدم خطاب كراهية وطائفياً.

حسابات موالية للنظام استغلت حادثة جرمانا، ونشرت تغريدات بعضها مضلل، وأخرى تهدف لتأجيج الكراهية وخطاب الطائفية بين السوريين – منصة X

حسابات إسرائيلية تؤجج الكراهية 

في تكرار لنمط ظهر سابقاً خلال أحداث الساحل السوري في مارس/ آذار 2025، استغلّت حسابات إسرائيلية الاقتتال في جرمانا وصحنايا، ونشرت تغريدات لتأجيج التوتر وزيادة الكراهية بين السوريين، وركّزت في تغريداتها على الطائفة الدرزية، وحاولت الربط بينها وبين إسرائيل، رغم رفض طيف واسع من أهالي السويداء لربط إسرائيل نفسها بهم.

من أبرز الحسابات التي استغلّت الاقتتال في جرمانا وصحنايا:

"جلعاد مئير": تُركّز تغريدات الحساب بشكل عام على مزاعم "اضطهاد الأقليات في سوريا"، متحدثاً بشكل متكرر عن العلويين والدروز، وتحتوي بعض تغريداته تلميحات إلى اهتمام إسرائيل بحماية الأقليات في سوريا.

كثّف الحساب، الذي يستخدم اسماً مستعاراً ويضع علم إسرائيل، من نشر تغريدات عن سوريا مع الاقتتال في جرمانا، ونشر تغريدات دعا فيها الأقليات في سوريا إلى تشكيل جبهة واحدة لمواجهة السلطة، وإلى إقامة أقاليم منفصلة.

جزء من تغريدات نشرها حساب "جلعاد مئير" الإسرائيلي خلال أحداث جرمانا – منصة X
عينة من حسابات مجهولة ساهمت في نشر تغريدات حساب مئير عن سوريا وجرمانا – منصة X

حساب مئير مصري: إسرائيلي مُحاضر في الجامعة العبرية، وكان من بين الحسابات البارزة التي استغلّت أحداث الساحل، وأعاد الكرّة نفسها خلال الاقتتال في جرمانا وصحنايا، ويركّز على نشر تغريدات تزعم دعم إسرائيل للأقليات، خاصة العلويين والدروز، وتصويرها كحامية لهم.

نشر مئير مصري العديد من التغريدات عمّا يجري في جرمانا، بينها تغريدات ألمح فيها إلى استعداد إسرائيل للتدخل، وأخرى حملت خطاباً طائفياً تمت إعادة مشاركتها من قِبل حسابات مجهولة وأخرى موالية لنظام الأسد، ووصلت تغريداته إلى عشرات الآلاف بسبب التضخيم المتعمد في إعادة نشرها على منصة X.

كان لافتاً أيضاً مشاركة حسابات معروفة بأنها جزء من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية، التي تساهم في نشر الرواية الإسرائيلية في الفضاء الرقمي على منصة X، مثل حساب "Israel4peaceful"، وحساب "نصيري إسرائيلي"، الذي يدعم في تغريداته تدخّل إسرائيل في سوريا، ويؤيّد فكرة التقسيم، وتشكيل قوات لمواجهة السلطة، ويروّج لمزاعم اضطهاد الأقليات.

امتلأ حساب "نصيري إسرائيلي" بتغريدات حملت خطاب كراهية ومحتوى طائفياً حول ما يجري في جرمانا، خلال الفترة من 28 أبريل/ نيسان وحتى 30 أبريل/ نيسان 2025.

تغريدات من حساب "نصيري إسرائيلي" وهو جزء من اللجان الإلكترونية الإسرائيلية – منصة X

شبكة حسابات مجهولة تعزّز انتشار خطاب الكراهية

تمثّل هذه الشبكة نقطة محورية في استغلال أحداث جرمانا وصحنايا، لنشر محتوى يهدف إلى تعزيز الكراهية بين السوريين. هذه الشبكة لا تنتج محتوى أصيلاً في الغالب، بل تقوم بدور "مضخّم رقمي"، إذ تركّز بشكل منهجي على إعادة نشر التغريدات الصادرة عن شبكة الحسابات الثلاث الأساسية التي تحدّثنا عنها (اللبنانية، والعراقية، والموالية للأسد، والإسرائيلية).

مجموعة من الحسابات المجهولة لعبت دوراً رئيسياً في تضخيم نشر محتوى طائفي من حسابات متعددة، حول ما حدث في جرمانا – عربي بوست

تعيد شبكة الحسابات المجهولة تدوير الخطاب الطائفي والتحريضي على نطاق واسع، وأظهر التحليل أن هذه الحسابات تتبع نمطاً سلوكياً متكرّراً ومريباً على منصة X؛ حيث تتركّز أنشطتها في فترات زمنية قصيرة وبكثافة عالية، عبر إعادة التغريد الجماعي والتعليق، ما يسهم في دفع المحتوى إلى الصدارة في خوارزميات المنصة.

لعبت حسابات بعضها مجهول وأخرى أُنشئت حديثاً، دوراً رئيسياً في تضخيم انتشار محتوى طائفي حول أحداث جرمانا من عدة حسابات – عربي بوست

يُظهر تحليل سلوك النشر المرتبط بالحسابات المجهولة أن عدداً منها سبق أن لعب دوراً فاعلاً في تضخيم محتوى كراهية خلال أحداث الساحل السوري، مستخدمة الأسلوب ذاته: ضخّ متزامن للتغريدات، وإعادة نشر منظّمة لتغريدات أخرى، وتكثيف التفاعل لإعادة تدوير الخطاب الطائفي والمساهمة في زيادة انتشاره.

ختاماً، تُشير نتائج التحليل، وطبيعة الحسابات والتغريدات التي نشطت خلال حادثة الاقتتال في جرمانا وصحنايا، إلى وجود حملة رقمية منسّقة، هدفت إلى تضخيم نشر الخطاب الطائفي بين السوريين، وتصوير ما يجري داخل سوريا من منظور طائفي فقط.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق