أصبحت مصر وجهة مهمة للاستثمارات الصينية بعد أن وصل عدد الشركات التي بدأت مشاريعها في مصر إلى 300 شركة منذ بداية عام 2025، ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات الصينية في مصر إلى 3 مليارات دولار خلال الأشهر المقبلة، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل تواصل تدفق وفود رجال الأعمال الصينيين على مصر.
وتزامن ارتفاع تدفق الاستثمارات الصينية في مصر مع الحرب التجارية الجارية بين أمريكا والصين وفرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رسوماً جمركية تصل إلى 145% على البضائع الواردة من الصين، وهو ما دفع بكين للبحث عن حلول لمواجهة الرسوم الأمريكية التي باتت تهدد الشركات الصينية.
غير أن تدفق الاستثمارات الصينية في مصر له انعكاسات سلبية على الاقتصاد المصري، إذ كشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن الاستثمارات الصينية في مصر ألحقت ضرراً ببعض الصناعات المحلية، وبالتحديد في صناعة الأثاث والمنسوجات، في ظل الصعوبة التي تواجهها المنتجات المحلية المصرية لمواجهة نظيرتها الصينية.
حوافز صينية للشركات لدخول السوق المصري
كشف عضو بمجلس الأعمال المصري الصيني، أن ما يقرب من ثلاثين شركة صينية جديدة أبدت رغبتها في التوسع بالسوق المصرية خلال 2025، فضلاً عن زيارات مكثفة من وفود شركات صينية للقاهرة للاطلاع على القوانين الخاصة بالاستثمار والإجراءات المطلوبة لنقل جزء من خطوط إنتاجها إلى السوق المصري.
وحسب مصدر "عربي بوست" فإن: "بعض الشركات في الصين لجأت لـ"غسل البضائع" لتجنب الرسوم الجمركية المفروضة على وارداتها، وذلك بشحن بضائعها عبر دولة أخرى أو تزوير أصول المنتجات الصينية، لكن اكتشاف تلك الحيل ومصادرة المنتجات من جانب الدول المستهدفة يجعل القاهرة وجهة الموردين في الفترة المقبلة".
ويوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: "الحكومة الصينية لديها رغبة أيضاً في تخفيف أضرار كثافة المناطق الصناعية على أراضيها بعدما تسببت في مشكلات بيئية، وتعمل على توزيع بنيتها التحتية الصناعية على دول عديدة، خاصة في قارة إفريقيا.
وشجعت الحكومة الصينية شركاتها على البحث عن أسواق جديدة بديلة ونقل جزء من خطوط إنتاجها إلى مصر، وقدمت حوافز للشركات الصينية الساعية لذلك، لكي تستفيد من اتفاقيات التجارة الحرة التي تبرمها مصر مع اتحادات ودول إقليمية عديدة، وبذلك تتجاوز الصين جزءاً من الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على منتجاتها.
ومنذ أيام، كشف السفير الصيني في مصر، لياو لي تشيانغ، أن الصين تُعد من أنشط المستثمرين وأسرعها نمواً في مصر، لافتاً إلى أن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر بلغ 9 مليارات دولار حتى نهاية 2024، وتنتشر عبر أكثر من 2000 شركة عاملة في قطاعات متعددة ومجالات مختلفة خلال السنوات الأخيرة.
تطور الاستثمارات الصينية في مصر
قال مصدر مسؤول بهيئة التنمية الصناعية المصرية إن أكثر من 300 شركة صينية بدأت استثماراتها في مصر مع بداية عام 2025، ومن المتوقع ضخ استثمارات صينية أخرى تصل إلى 3 مليارات دولار خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف المصدر أن المناطق الصناعية الجديدة مثل "القنطرة غرب"، والمدينة الصناعية في العين السخنة، والتوسع في منطقة 6 أكتوبر، وتوسيع نطاق المناطق الصناعية في العاشر من رمضان، تدفع نحو إقدام الشركات الصينية التي تسعى للمنافسة العالمية من خلال الأراضي المصرية.
ولفت المصدر ذاته إلى أن مصر تسعى هي الأخرى لجذب استثمارات صينية في مجالات متنوعة لخدمة السوق المصري وتوطين صناعات محلية استفادت من الخبرات الصينية، أبرزها: صناعة السيارات، والأجهزة المنزلية، والأثاث، والمنسوجات، والصناعات الطبية، وصناعة الأدوات والمعدات، ومن المتوقع أن يكون هناك تصنيع عسكري مشترك.
ويوضح مصدر "عربي بوست" أن اتفاقيات التشغيل تتضمن وجود نسبة من العمالة المصرية، وهو أمر يتحقق في غالبية المشروعات، في ظل اعتماد الشركات الصينية على الأيدي المصرية زهيدة الثمن، إلى جانب التعرف على تكنولوجيا الصناعات الحديثة، والاتفاق بأن تكون الأولوية لشراء المواد الخام من السوق المصرية.
ولفت المصدر ذاته إلى تضاعف الاستثمارات الصينية في مصر خلال الفترة الأخيرة، وأن المستثمرين الصينيين لديهم رغبة قوية في توسيع مجال أنشطتهم لتطال غالبية الصناعات، وهناك الكثير من دراسات الجدوى لمشروعات محلية ستشكل منفذاً لدخول الاستثمارات الصينية في الفترة القادمة.
وأكد المتحدث أن استقرار سعر صرف الجنيه مؤخراً شجع مزيداً من الشركات الصينية على توطين صناعتها في مصر، فضلاً عن أن اتساع السوق المصري مكن الشركات من تسويق منتجاتها لملايين المواطنين، كما أن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار دفع إلى تدشين صناعات ثقيلة مثل تجميع وتصنيع السيارات.
وقال حسام هيبة، رئيس هيئة الاستثمار المصرية، إن توطين التكنولوجيا ودعم الأفكار الخلاقة واحد من أهم أهداف الحكومة المصرية، وقد منحت مصر "الرخصة الذهبية" لشركتين صينيتين، هاير وميديا، لأنهما قررتا توطين التكنولوجيا الصناعية في مصر.
ويشير المصدر إلى تقديم الحكومة المصرية مزيداً من الامتيازات للمشروعات المقامة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تعمل القاهرة على أن تكون سوقاً مفتوحة، ووقعت العديد من عقود الاستثمارات الصينية خلال الشهور الماضية، في قطاعات متعددة، أبرزها: الأقمشة والمنسوجات، ومواد البناء، والبتروكيماويات، وفق بيانات رسمية.
وجذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس 128 مشروعاً بقيمة 6 مليارات دولار، تمثل الاستثمارات الصينية في مصر منها 40%، وفق بيان لرئيس المنطقة، وليد جمال الدين، في سبتمبر/أيلول 2024، حيث تركز الشركات الصينية على تلك المنطقة.
ويتوقع المصدر ضخ استثمارات جديدة في مشروعات صناعية صغيرة، وأن يتم توجيه 60% من الاستثمارات الصينية المرتقبة للمناطق القريبة من السويس، لتصبح منصة لتصدير منتجاتها إلى العالم.
كيف تهدد الاستثمارات الصينية الشركات المصرية؟
بالرغم من المزايا الكثيرة التي توفرها الاستثمارات الصينية في مصر، أهمها توفير العملة الصعبة، إلا أننا رصدنا أنها ألحقت ضرراً ببعض الصناعات المحلية، وبالتحديد في صناعة الأثاث، إلى جانب المنسوجات، بسبب صعوبة المنافسة مع الشركات الصينية.
وانتبهت الحكومة المصرية مؤخراً لمسألة وجود تبعات سلبية للاستثمارات الصينية في مصر، وطرحت خلال انعقاد المنتدى المصري الصيني، الذي اختتم أعماله مؤخراً، مسألة ربط مجتمع الأعمال المصري بقادة الابتكار في الصين للاستفادة من الأفكار والمشروعات الصينية الناجحة.
وتطرق المنتدى أيضاً إلى ربط الصناعات المصرية بالتطورات التقنية الصينية، لتحسين الجودة وزيادة القدرة التنافسية، وهو ما يبرهن على أن عوامل جذب الاستثمارات تعاني خللاً على مستوى تطوير الصناعات المحلية.
وأكد مصدر مطلع بجمعية رجال الأعمال المصريين أن توافد الاستثمارات الصينية على مصر يحمل شقين. الأول إيجابي، ويرتبط بتعزيز فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، والاستفادة من التطورات التكنولوجية التي تمتاز بها المصانع الصينية، ونقل التجربة إلى المصانع المصرية.
إلى جانب إتاحة فرص عمل كبيرة للشباب المصري في مجالات مختلفة، ما يضمن تطوير قدراتهم، والاستفادة من الخبرات الصينية، إلى جانب تعزيز عوائد النقد الأجنبي، سواء من خلال إقامة هذه الاستثمارات أو ما يترتب عليها من تصدير للمنتجات المُصنَّعة في مصر إلى الخارج.
فيما أن العامل السلبي يرتبط بدخول الصين على صناعات مصرية أصيلة، حققت فيها الشركات المحلية نجاحات مهمة، مثل: صناعة الأثاث والأخشاب بوجه عام، وكذلك صناعة النسيج التي تشهد تغلغلاً صينياً كبيراً، إذ تصل الاستثمارات إلى مليار ونصف مليار دولار في هذا القطاع فقط.
وتكمن المشكلة الأكبر في استفادة بعض المصانع من المواد الخام المصرية وتصديرها إلى الصين، واستكمال صناعتها هناك، ثم إعادتها إلى السوق المصري مرة أخرى بأسعار إضافية، وهو ما يشكل خسارة اقتصادية مباشرة، كما أنه يشكل اعتداءً على المواد الخام، وهو ما يحدث تحديداً في صناعة الأخشاب وبعض الصناعات الطبية.
ما فعلته الصين بأمريكا تفعله مع مصر
يلفت مصدر "عربي بوست" إلى أن التفاهمات المصرية الصينية المرتبطة بتدشين الاستثمارات الصينية يجب أن تجني الدولة المصرية من ورائها استفادات عديدة، ما دامت تتعلق بالاستفادة من المواد الأولية المصرية.
ويرى أن نسب تشغيل المصريين بحاجة إلى أن تكون محددة، وألا تقل عن 70%، وأن النظرة الضيقة المرتبطة بالاستفادة من عوائد الاستثمار الأجنبي على مستوى توفير العملة الصعبة قد تكون قاصرة، وتتجاهل أهدافاً بعيدة غير واضحة الآن.
وأشار إلى أن الصين تعتمد على سياسة الانتشار في مجالات استثمارية مختلفة، والتسلل إلى الأسواق التي تستهدفها بدون ضجيج كبير، وباستراتيجية ناعمة تخدم مصالحها، إذ إن تواجدها بشكل مكثف يجعلها أكثر قدرة على تحقيق مكاسب أكبر، عبر الحصول على العديد من الامتيازات التي تخدم مستثمريها.
وأضاف المصدر أن ما أقدمت عليه الصين مع الولايات المتحدة سابقاً، حينما أغرقت الأسواق الأميركية بالمنتجات الصينية، تكرره مع مصر الآن، إذ إنها بدأت بتصدير كميات كبيرة من منتجاتها، ودعمت ذلك بوجود صينيين جابوا شوارع القاهرة للتسويق إليها قبل ما يقرب من عقدين، والآن تغزو السوق المصري عبر الاستثمارات المختلفة.
وشدد المصدر ذاته في حديثه لـ"عربي بوست" على أن معالم الخطورة تتمثل في التوسع بالسوق المصري إلى الدرجة التي تجعلها متحكمة في الأسواق الخاصة ببعض المنتجات والصناعات التي تتميز بها مصر، مثل المنسوجات والأثاث.
كما أن هذا التواجد قد يجعل القاهرة في مواجهة من نوع آخر مع واشنطن التي يبدو أنها ساعية للعودة إلى أفريقيا بشكل مختلف عبر السيطرة على ممرات الملاحة التجارية، ولن تستريح للوجود الصيني القوي في مصر والذي يستهدف بالأساس الأسواق الإفريقية وكذلك بعض المناطق في الشرق الأوسط.
وذكر أن القاهرة أمام فرصة قد لا تُعوّض بشأن تطوير صناعتها من الملابس وتصديرها بكميات كبيرة إلى السوق الأميركية والاستفادة من اتفاقية الكويز التي تمنحها امتياز التصدير دون جمارك.
وهناك مخاوف من تأثر الصناعة سلباً مع وجود منافسة صينية قوية قد تتحول إلى تغلغل قوي في سوق صناعة المنسوجات دون أن تتمكن الشركات المصرية من توفير أوبار القطن الجيدة التي تلقى إقبالاً واسعاً من المستهلكين في الولايات المتحدة.
وفي أغسطس/آب 2024، التقى الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حسام هيبة مع رئيس شركة "جيانغسو ليانفا" الصينية للنسيج، وهي إحدى أكبر الشركات العالمية في قطاع النسيج والملابس الجاهزة، لبحث تأسيس الشركة مجمعاً متكاملاً للغزل والنسيج والصباغة والمنسوجات والملابس الجاهزة في مصر.
وتستهدف الشركة ضخ 500 مليون دولار لإنشاء عدد من خطوط الإنتاج على مساحة 350 ألف متر مربع لإنتاج النسيج والملابس الجاهزة، على أن يتم تصدير 90% من إنتاج المصنع، للاستفادة من المزايا التنافسية للاقتصاد المصري. وتشمل عمليات تصنيع الشركة في الصين وإندونيسيا منتجات البوليستر والأقمشة والخيوط والملابس القطنية والمصنوعة من الصوف.
عجز المصانع المصرية عن منافسة نظيرتها الصينية
أكد مصدر مطلع بغرفة صناعة الأخشاب التابعة للغرفة التجارية المصرية، أن الاستثمارات الصينية في مجالات صناعة الأثاث والأخشاب تزاحم المنتج المصري، إذ إن هذه المصانع تمتاز بأنها كثيفة الإنتاج وتعتمد على أخشاب ذات جودة ضعيفة.
فيما جرى تأسيس شركات تجميع الأخشاب المصرية الجيدة وتصديرها إلى الصين، وهناك يتم تصنيعها وتصديرها إلى مصر مرة أخرى، وكذلك إلى دول عربية وإفريقية، في حين أنه يمكن الاستفادة من تلك الأخشاب لدى المصانع المصرية.
وأوضح أن المصانع الصينية تمتاز بتكنولوجيا متطورة تقلل من تكاليف الإنتاج، بعكس المصانع المصرية التي تواجه مشكلات في تطوير قدراتها نتيجة صعوبات في توفير العملة الصعبة وتراجع قيمة الجنيه، وعدم قدرة كثير من المصانع والتجار على تحقيق أرباح جيدة خلال السنوات الأخيرة التي اتجه فيها الجمهور الشعبي إلى الموبيليا الصينية والتركية.
كما أن المصانع تعاني مشكلات على مستوى زيادة تكاليف المعدات ومستلزمات التشغيل، كما أن المصانع الصينية لديها قدرة أكبر على تسويق منتجها، انعكاساً على خطط الصين التصديرية في العديد من المنتجات إلى مختلف دول العالم، بعكس المصانع المصرية التي تعتمد بشكل أكبر على الاستهلاك المحلي المتراجع بالأساس.
وارتفعت أسعار الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنسبة 21.5% في يناير/كانون الثاني الماضي، مقارنة بنفس الشهر من عام 2024، بينما بلغ معدل التضخم السنوي 23.2% على أساس سنوي.
وفي مارس/آذار 2025، عقد الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، لقاءً مع وفد مجموعة ديلي الصينية المتخصصة في صناعة الأدوات والمعدات، تطرق لإقامة مجمع صناعي ضخم بالمنطقة الصناعية بمدينة العاشر من رمضان باستثمارات تبلغ نحو 200 مليون دولار.
ويوفر المشروع نحو 2200 فرصة عمل جديدة، لتقوم بإنتاج أكثر من 12 ألف منتج في مجالات الأدوات المكتبية والمدرسية، وماكينات الطباعة، والأدوات الرياضية، والعِدد، والمعدات اليدوية والكهربائية، والأثاث المكتبي.
0 تعليق