كشفت مصادر ليبية مطلعة أن الفيديو الخاص بالبرلماني الليبي إبراهيم الدرسي، الذي ظهر فيه وهو مقيَّد بالسلاسل ويوجّه رسالة "استعطاف" إلى صدام، نجل الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، للإفراج عنه، ليس الأخير، وأن هناك فيديوهات أخرى تخص تصفية النائب الليبي.
المصادر المتطابقة التي تحدّثت إلى "عربي بوست" كشفت أنها ترجّح تصفية إبراهيم الدرسي، وأن هناك "فيديوهات أخرى توثّق عملية تصفيته" بعد اعتقاله بأيام قليلة، مشيرة إلى أن سجون شرق ليبيا فيها مئات الحالات الشبيهة بإبراهيم الدرسي في ظل غياب الرقابة الحقوقية على هذه السجون.
جريمة حقوقية
تفجّرت الأزمة في ليبيا بعد بث قنوات ليبية مقطع فيديو يظهر فيه عضو مجلس النواب عن برلمان طبرق، إبراهيم الدرسي، وهو مكبَّل بسلسلة حول رقبته. وكان موقع "أفريك آسيا" الفرنسي قد نشر صوراً للنائب ذاته وهو معتقل بملابسه الداخلية، وفي عنقه سلسلة، وبحالة مزرية. وذكرت القناة أن النائب اختفى قبل عام منذ حضوره احتفال عملية الكرامة في بنغازي، مشيرة إلى أن تاريخ التقاط المشاهد المصوَّرة غير معلوم.
مصدر حقوقي ليبي، تحفّظ على ذكر اسمه، تحدّث في تصريحات مسجّلة لـ"عربي بوست"، قال إن ما حدث لإبراهيم الدرسي خطير للغاية، ويكشف مدى بشاعة الجريمة التي ارتُكبت في حقه، مشيراً إلى أن الليبيين كانوا يجهلون مصير الدرسي لمدة عام كامل، حتى ظهرت الفيديوهات التي تداولها الجميع، وكشفت عن تعذيب تعرّض له النائب الليبي السابق.
أوضح المصدر الحقوقي الليبي أن مشاهد تعذيب إبراهيم الدرسي لم تحدث وتظهر للعيان إلا في سجون أبو غريب في العراق، حيث قام الجيش الأمريكي باعتقال وتعذيب آلاف العراقيين بعد سقوط نظام صدام حسين، وهذه نفسها المشاهد التي تتكرر في شرق ليبيا.
أشار المصدر الحقوقي إلى أن ما حدث هو جريمة ضد الإنسانية، وأنه لا مجال الآن للحديث حول شرق أو غرب ليبيا، وناشد كل الأطراف داخل ليبيا بضرورة العمل على إيقاف كل هذه الانتهاكات ومحاسبة الجاني، لأن الخاسر الوحيد في هذه الأزمة هي الدولة الليبية، وطالب بفك طلاسم هذه الجريمة ووقف كل ما يحدث داخل سجون ليبيا من انتهاكات بحق السجناء.
وحول ما إذا كانت هناك عصابات قامت بخطف البرلماني الليبي وليس قوات مسلحة تتبع صدام حفتر في شرق ليبيا، قال المصدر الحقوقي إن هناك أطرافاً داخل شرق ليبيا من مصلحتها أن تُلقي بالاتهامات على أطراف مجهولة لكي تجنّب صدام حفتر الاتهامات، ولكن فإن قوات كتيبة طارق بن زياد، التي تتبع صدام حفتر مباشرة، هي التي قامت بخطف البرلماني الليبي وتعذيبه، ومن ثم اختفائه وعدم معرفة مصيره حتى الآن.
في سياق مواز، قال مصدر ليبي قريب من حكومة الوحدة الليبية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، إنه وفي يوم احتفال "الكرامة" في بنغازي في عام 2024/كانون الثاني، وقعت مشادة كلامية بين النائب البرلماني إبراهيم الدرسي وأفراد من الحرس المقرّبين من صدام حفتر، نجل اللواء خليفة حفتر، لتنتهي الواقعة باختطاف الدرسي على يد كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام.
المصدر الذي تحدّث في تصريحات مسجّلة لـ"عربي بوست" قال إن الاختطاف جرى أثناء عودة الدرسي إلى منزله، ومنذ ذلك اليوم اختفى دون أثر. وعلى مدار عام كامل، ظلّت أصابع الاتهام تشير بوضوح إلى كتيبة طارق بن زياد. وبينما تضاربت الروايات بين مقتله وسجنه، فـ"أنا أرجّح أن إبراهيم الدرسي قد قُتل بالفعل".
سلسلة انتهاكات
كذلك فقد قال المصدر الحقوقي إن البرلماني الليبي إبراهيم الدرسي لن يكون الأخير في سلسلة الانتهاكات التي تحدث في شرق ليبيا، لكن هناك الكثير من هذه الانتهاكات التي تحدث في السجون التي تقع تحت سلطات صدام حفتر في شرق ليبيا، داعياً إلى خضوع كل هذه السجون لطائلة التفتيش والقانون، لكي تتكشّف كل الحقائق حول مصير السجناء الليبيين.
وبخصوص المصير النهائي لإبراهيم الدرسي، قال المصدر الحقوقي الليبي إنه لا يستطيع أن يجزم بما إذا كان البرلماني الليبي على قيد الحياة أم قد تم قتله، في ظل غياب الشفافية والمعلومات المؤكدة حتى الآن، إلا أنه تحدّث عن روايات كثيرة يتم تداولها في هذا الخصوص، معرباً عن تمنّياته أن يكون الدرسي ما زال على قيد الحياة.
مناشدات كثيرة
أشار المصدر الليبي القريب من حكومة الدبيبة إلى أنه رغم المناشدات المتكررة التي وجّهتها أسرته إلى كل من صدام وخليفة حفتر لمعرفة مصيره، لم تتلقَّ العائلة أي استجابة، ما زاد من الغموض والقلق حول مصيره.
وأشار المصدر الليبي إلى أن التحول المفصلي في القضية جاء مع تسريب فيديو يوثّق تعذيب إبراهيم الدرسي، وهو ما أثار موجة غضب عارمة في الشارع الليبي.
وتعدّدت الروايات حول كيفية تسريب الفيديو، إذ تشير إحدى الروايات إلى أن صدام حفتر كان يحتفظ بهذه المقاطع على هاتفه المحمول أثناء زيارته لدولة أجنبية، وهناك تم اختراق الجهاز وسُرّبت المقاطع أولاً إلى وسائل إعلام غربية، ثم لاحقاً إلى الإعلام العربي.
رواية أخرى تتحدث عن انشقاق أحد عناصر كتيبة طارق بن زياد، قيل إنه من المقرّبين لصدام حفتر، وتمكّن من الهرب إلى لاهاي، حيث سلّم التسجيلات إلى المحكمة الجنائية الدولية.
المصدر الليبي قال كذلك في تصريحاته لـ"عربي بوست" إن صدام حفتر أمر بتوثيق عملية تعذيب الدرسي بدافع "سادي واضح"، إذ "يُعرف عنه التلذّذ بمشاهد تعذيب معارضيه"، على حد قول المصدر الليبي، وقد جرى تسجيل الفيديو في اليوم السادس من اعتقال الدرسي، ثم نُقل إلى موقع آخر حيث تم قتله، حسب ما يرجّح المصدر الليبي.
أزمة في الشارع الليبي
في سياق موازٍ، قال مصدر ليبي يعمل في حكومة الوحدة الليبية برئاسة إبراهيم الدبيبة، إنه في عام 2024/كانون الثاني، تعرّض النائب إبراهيم الدرسي للاختطاف في مدينة بنغازي، وذلك رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي كانت مفروضة على المدينة حينها، ما أثار شبهات حول تورّط جهات تابعة لصدام حفتر في عملية اختطافه.
وبعد يومين فقط من الواقعة، تفاجأت عائلته بأن سيارته قد خضعت للتفتيش، وأن منزله قد داهمته مجموعة مسلّحة مجهولة.
وقال المصدر الليبي إنه وبعد مرور عام على الحادثة، انتشر مقطع فيديو نشره صحفي إيطالي، يظهر فيه الدرسي وهو يتعرّض للتعذيب في مكان غير معروف. الصور كانت مهينة للغاية وتعود إلى ستة أيام فقط بعد اختطافه، وأثارت صدمة واسعة في الشارع الليبي.
أوضح كذلك المصدر الليبي أن ردود الفعل جاءت متتابعة، وشملت بيانات رسمية من حكومة طرابلس، والمجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، عبّروا جميعاً عن إدانتهم للانتهاكات التي تعرّض لها النائب، واعتبروا ما جرى أمراً مهيناً وغير مقبول.
كذلك فقد قال المصدر الليبي القريب من حكومة الدبيبة إن الفيديو المسرب لم يُظهر فقط مشاهد صادمة، بل فجّر قلقاً واسعاً بين الليبيين من مستقبل أكثر قمعاً في حال تمكّن صدام حفتر من بسط سلطته على ليبيا. فالصمت الرسمي حول الجريمة، وتكرار الانتهاكات داخل السجون التابعة له، يؤكدان أن ما خفي كان أعظم.
أوضح المصدر أيضاً أنه مع تفاقم المرض الذي يعاني منه خليفة حفتر، وتناوله المستمر للأدوية والمسكنات، بات حضوره في المشهد شبه معدوم، بالمقابل، يُمسك صدام حفتر فعلياً بزمام الأمور في شرق البلاد. وتُنبئ التسجيلات الأخيرة، لا سيما إن تم نشر مزيد من المقاطع المماثلة، بتآكل صورة عائلة حفتر أمام الرأي العام، حتى في مناطق نفوذهم.
وقال المصدر الليبي إن هناك فيديوهات أخرى موجودة مع أطراف داخل ليبيا، تتضمن تعذيب وقتل ضباط ليبيين آخرين على يد صدام حفتر، ويُتوقّع أن تُكشف قريباً، ما قد يُحدث انفجاراً في الشارع الليبي، ويعيد ملف انتهاكات شرق ليبيا إلى واجهة الإعلام الدولي والمحاكم المختصة.
إدانات رسمية
وقد أدانت حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، ما وصفته بـ"مشاهد مسرّبة صادمة" تُظهر النائب الدرسي في ظروف احتجاز مهينة وغير إنسانية، داعية إلى فتح "تحقيق دولي" لكشف ملابسات الجريمة.
وأشارت الحكومة إلى أن النائب اختُطف في 19 مايو/أيار 2024، وأنه عضو في البرلمان الخاضع لسيطرة المشير خليفة حفتر بشرق ليبيا، المنافس السياسي للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس.
وفي بيانها، حمّلت حكومة طرابلس رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مسؤولية مباشرة بسبب صمته تجاه ما يتعرض له أحد نواب المجلس.
في خضم هذه التطورات، طالب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، في رسالة موجهة إلى أعضاء البرلمان، بإحالة جميع القوانين التي أُقرت منذ مارس/آذار 2021 إلى المجلس الرئاسي لمراجعتها وفقاً للاتفاق السياسي، مشيراً إلى أن إصدار القوانين من طرف رئيس البرلمان منفرداً يمثل خرقاً واضحاً للشرعية الدستورية ويُعد باطلاً شكلاً وجوهراً.
وأشار المصدر الليبي إلى أن توقيت نشر الفيديو جاء حساساً للغاية، إذ كان من المنتظر أن يُعلَن عن تشكيل حكومة جديدة في الشرق، كما كان مجلس الأمن الدولي على وشك الإعلان عن مسار سياسي جديد في ليبيا، إلا أن انتشار الفيديو تسبب في تأجيل هذه التحركات.
وأوضح المصدر الليبي أن الاتهامات التي طالت أبناء حفتر بالمسؤولية عن عملية الاختطاف، توالت داخل ليبيا وسط تفاعل واسع من الشارع الليبي نظراً لـ"بشاعة" المشاهد المسربة. حتى حكومة شرق ليبيا اضطرت إلى عقد اجتماع طارئ بشأن القضية، وطالبت بفتح تحقيق، كما فعل برلمان طبرق. وتبذل الأطراف في شرق البلاد جهوداً حثيثة لاحتواء الموقف.
فتح باب التحقيق
في هذا السياق، طالب عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، كلاً من النائب العام ووزير الداخلية بفتح تحقيق حول المقاطع المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتأكد من صحتها.
وبدورها، أكدت وزارة الداخلية في الحكومة الموازية أن النائب الدرسي مختطف من قِبل "جهة إجرامية مجهولة تتبع عصابة منظمة"، معتبرة أن "المقاطع المصورة المتداولة تم تنسيقها بعناية من قبل المجموعة الخاطفة بهدف تضليل الرأي العام وتشويه سمعة القوات المسلحة الليبية"، في إشارة إلى قوات حفتر.
في المقابل، نقلت قناة "المسار" الموالية لحفتر عن بعض النواب قولهم إن تلك المشاهد "مفبركة" وتم إنتاجها بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وكانت الأمم المتحدة قد أعربت عن قلقها حيال مصير النائب عقب اختفائه، مطالبة السلطات في شرق ليبيا بالكشف عن مكانه وإطلاق سراحه فوراً، بالإضافة إلى فتح تحقيق شامل في ملابسات اختفائه ومحاسبة المسؤولين.
كما قال المصدر الليبي إن الحدث يحمل أبعاداً قانونية وأخلاقية كبيرة، إلا أن تداعياته السياسية تبقى غير واضحة حتى اللحظة. وهناك نماذج كثيرة مشابهة لما جرى مع الدرسي، لا سيما في ظل الغموض الذي يكتنف أوضاع السجون في شرق ليبيا.
وأوضح أن انتشار الفيديو قد يدفع المنظومة الأمنية في ليبيا نحو إصلاحات جوهرية في الملف الحقوقي. ومن المحتمل أن تُحال القضية إلى أطراف معينة بهدف تهدئة الأوضاع، كما حدث سابقاً مع محمود الورفلي، الذي تم التخلص منه بعد سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها في بنغازي.
فيما أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هي الأخرى عن قلقها العميق إزاء الفيديو المتداول، والذي يُظهر النائب الدرسي "محتجزاً ومقيداً بالسلاسل وتبدو عليه آثار تعذيب واضحة"، معربة عن تعاطفها مع أسرته وزملائه في هذا الظرف العصيب.
وقد طلبت البعثة على الفور من خبرائها المتخصصين في الأدلة الرقمية التحقق من صحة الفيديو، وجددت مطالبتها للسلطات الليبية بالإسراع في إجراء تحقيق مستقل وشامل في قضية اختفاء الدرسي منذ 16 مايو/أيار 2024، بعد مشاركته في عرض عسكري للجيش الوطني الليبي في بنغازي، مؤكدة استعدادها لتقديم الدعم الكامل لأي تحقيق مستقل في الواقعة ومزاعم التعذيب.
وأدانت البعثة أيضاً الانتهاكات الواسعة والممنهجة التي ترتكبها جهات إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية في مراكز الاحتجاز ببنغازي وطرابلس وسبها ومناطق أخرى، مؤكدة أن الإفلات من العقاب يُفاقم من هذه الانتهاكات.
من جانبه، كشف أشرف الشح، المستشار السابق بالمجلس الأعلى للدولة، في تصريحات تلفزيونية أن من سرّب مقاطع التعذيب هو أحد أفراد سرية 20/20 التابعة لعلي المشاي، والتي تخضع لصدام حفتر.
وأضاف أن هذا الشخص توجه إلى لاهاي وقدّم الأدلة أمام محكمة الجنايات الدولية، وأدلى بشهادته هناك، مؤكداً أن الفيديو دليل جديد على ما وصفه بـ"وحشية السلطة" في بنغازي، وأن "هذه العائلة المجرمة لا تتردد في ارتكاب أي جريمة للحفاظ على سلطتها".
وأشار الشح إلى أن من شاركوا في العملية هم من قدموا الأدلة والشهادات، ما يدحض أي تشكيك في صحة الفيديو، وأكد أن هناك ساعات من التسجيلات لمساجين آخرين ستظهر خلال الأيام المقبلة، قد يكون بعضهم غير معروف.
واختتم بالقول إن ما حدث يمثل نقطة تحول، ويُلزم كل من يتولى مسؤولية باتخاذ موقف جاد، وعدم الاكتفاء بالإدانات الشكلية.
0 تعليق