بلد نيوز

حكم خارج فصول القانون.. كيف أصدر “قضاء سعيّد” عقوبات سجنية تجاوزت 60 سنة لأول مرة في تاريخ تونس - بلد نيوز

أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس السبت 19 أبريل/ نيسان 2025، أحكاماً صادمة في ما يعرف بقضية "التآمر" على أمن الدولة، والمشمول بالبحث فيها أكثر من أربعين شخصا أغلبهم قادة سياسيون من المعارضين لنظام الرئيس قيس سعيد وعدد من رجال الأعمال.

وتراوحت الأحكام بالسجن بين 13 و66 عاماً، فيما قضت المحكمة بأحكام سجنية نافذة بحق من هم في حالة فرار وأبرزهم ابنة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تسنيم الخريجي، ومديرة ديوان الرئيس السابقة نادية عكاشة.

وعقدت الجلسة بالمحكمة الابتدائية بتونس، مع قرار بمنع دخول جميع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية لقاعة المحكمة والاقتصار على التغطية خارج المحكمة، حيث احتجت العائلات وعدد من السياسيين والمجتمع المدني. 

ويُعتبر ملف التآمر من أبرز الملفات التي اعتقل فيها عدد كبير من المعارضين السياسيين ووجّهت لهم تهمة "تكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة، وارتكاب أمر موحش في حق رئيس الدولة"، وأبرز المعتقلين: راشد الغنوشي، نور الدين البحيري، وعصام الشابي.

آثار الأحكام التي أصدرتها الابتدائية التونسية صدمة داخل وخارج تونس بسبب طول مدة الحكم، فمنذ حكم الرئيس لحبيب بورقيبة وحتى فترة حكم زين العابدين بن علي، لم تصل العقوبات السجنية التي توبع بها المعارضون إلى 60 سنة، وفي مرات قليلة كان الحكم يصل للمؤبد. 

واعتبر عدد من الحقوقيين الذين التقاهم "عربي بوست" على هامش جلسة المحاكمة في قضية التآمر أن الحكم غير قانوني، إذ لا يوجد فصل في القانون الجنائي التونسي ينص على أحكام تصل إلى 60 سنة. 

أما الفصل الذي أُصدر بموجبه الأحكام في قضية التآمر فهو الفصل 72 والذي ينص على عقوبة الإعدام لكل مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح، وإثارة الهرج، والقتل، والسلب بالتراب التونسي.

وأصدرت المحكمة في حق رجل الأعمال كمال اللطيف 66 عاما، والناشط السياسي خيام التركي 48 عاما، والوزير السابق المحامي والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري 43 عاما، وكلهم يقبعون بالسجن منذ أكثر من سنة.

وحُكم المحامي عصام الشابي، وأستاذ القانون جوهر بن مبارك، والمحامي غازي الشواشي، والمحامي رضا الحاج، والناشطة السياسية وعضو جبهة الخلاص شيماء عيسى بـ18 سنة نافذة.

وصدر في حق كل من السياسي والقيادي السابق عبد الحميد الجلاصي، والنائب السابق بالبرلمان والقيادي بحركة النهضة الصحبي عتيق، والقيادي السيد الفرجاني، وعضو الشورى محمد البدوي جميعهم 13 سنة سجنا.

كما حكم المحامي الأزهر العكرمي، والمحامي العياشي الهمامي 8 سنوات، وقضت المحكمة ضد الصحفي وصاحب الإذاعة الخاصة"موزاييك" نور الدين بوطار بعشر سنوات، وعدد من رجال الأعمال بثلاثة وثلاثين عاما.

وصدرت الأحكام ضد من هم في الخارج واعتبروا بحالة فرار مع التنصيص على النفاذ العاجل بحقهم أبرزهم  ابنة الغنوشي تسنيم  الخريجي 33 سنة، ومديرة الديوان الرئاسي السابق نادية عكاشة 33 سنة، وكذلك النائبة السابقة والحقوقية بشرى بالحاج حميدة.

وقالت المحامية منية بوعلي في اتصال خاص لـ"عربي بوست" إنه سيتم إعلام المتهمين الذين هم بحالة إيداع بالسجن بالأحكام، ولن يتمكنوا من مقابلة محاميهم إلا بداية من الاثنين القادم نظرا لتزامن صدور الأحكام مع عطلة نهاية الأسبوع.

ولفتت بوعلي إلى أن المعلومة الوحيدة الغير متوفرة في الأحكام للحظة تتعلق بالمحامي ورئيس جبهة"الخلاص" أحمد نجيب الشابي، وهو مشمول بالبحث في حالة سراح.

من جهته قال محامي الدفاع مختار الجماعي "استفاق فريق الدفاع على هذه الأحكام المشددة والجائرة، رغم أننا كنا متشائمين ونتوقع أحكاما ثقيلة إلا أننا لم نتوقع أن تصل إلى هذه القيمة".

وأفاد في تصريح خاص لـ"عربي بوست": "لم نتوقع أن تصدر أحكام بهذه الحجم في قضية سياسية، ونحن نستغرب ذلك.. كان هناك إصرارا واضحا من المحكمة للبت في هذا الملف رغم كمية الخروقات التي لا تحصى ولا تعد".

وقد وجهت للمتهمين تهم تتعلق بارتكاب جرائم أهمها "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه".

وعلق محامي الدفاع فوزي جاب الله على الأحكام لكون "ما حدث ضد نخبة البلاد السياسية وناشطيها بطريقة تحدث عنها الإعلام من ظلم صريح سيتكرر كثيرا ضد عموم المواطنين لكن دون أن ينتبه للأمر أحد"، وقال نحن نغوص كل يوم أكثر في نفق أسود مرعب".

وأكد المحامي مختار الجماعي أن فريق الدفاع سيتشاور ويحدد ما يمكن القيام به مشيرا إلى أن القانون يسمح لهم بالطعن في الأحكام، مضيفاً "سنعود للمعتقلين وأهم شيء لن نقبل بمثل هذه الأحكام مطلقا، سنطعن أو سنقاطع كليا لأننا على يقين يوما بعد يوم أن القضاء يمر بأحلك فتراته".

بدوره قال المناضل عزالدين الحزقي والد المعتقل جوهر بن مبارك "الأحكام صدرت عن نظام جبان وفاسد وهو عدو للقانون، نحن أصدقاء الحرية ونسخر من أحكامهم لأنها فعلا مسخرة، سنواصل فضح هذا النظام المنقلب الحاكم بالقوة، وعهد منا سنواصل النضال بكل الطرق القانونية وسنصعد تحركاتنا بعد التشاور بيننا". 

من جهته قال القيادي وعضو المكتب التنفيذي لحزب "النهضة" الدكتور محسن السوداني إن "الأحكام التي صدرت بشأن المعارضين فيما يُعرف بقضية "التآمر" جائرة وتقطع نهائيا كل أمل في ترشّد السلطة وتراجعها عن سياستها القمعية". 

ورأى السوداني أن "الأحكام كانت منتظرة ذلك أنه بالنظر إلى السياق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، والذي تميّز باستهداف المعارضة والتضييق على الحريات، وسجن الإعلاميين والمدونين الرافضين للمسار السياسي للسلطة، وبالنظر إلى طريقة المحاكمة التي كانت لم تتوفّر فيها أدنى الشروط المعقولة للمحاكمة العادلة، فإننا كنا نتوقع مثل هذه الأحكام القاسية". 

ولفت السوداني "من الواضح أن السلطة تريد أن تطوي هذا الملف نهائيا وتغلقه بعد أن كشف تهافت حجتها وافتقادها لأدنى مواصفات النزاهة وأضعف موقفها أمام المتابعين محليا ودوليا". 

وتمسك محدثنا "هذه الأحكام لن تُسكت صوت الحق الذي تصدع به المعارضة ومقارعة الظلم لن تتوقّف. ومسار استعادة الحرية التي ضحّت لأجلها أجيال من الشهداء والسجناء والمناضلين ما زال متواصلا".

أخبار متعلقة :