زادت معاناة آلاف اللاجئين في مصر جراء القرار التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لوقف المساعدات التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من الهيئات، والتي كان لها النصيب الأكبر في تمويل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وتساعد المفوضية اللاجئين المتواجدين في مصر في تدبير نفقات بعض أدوية الأمراض المزمنة، حيث تقدم، بالتعاون مع منظمة مرسال، خدمات الصحة الأولية وصرف الأدوية الشهرية للاجئين.
وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مؤخراً إن الأزمة العالمية في التمويل الإنساني أجبرتها على تقليص دعمها المنقذ لحياة اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر، وأن عشرات الآلاف الفارين من النزاعات غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية الحيوية.
مأزق الاستمرار في تقديم الخدمات
كشف مصدر مطلع داخل إحدى المنظمات العاملة مع مفوضية اللاجئين لـ"عربي بوست" أن الميزانية الموجهة للخدمات الصحية تقلصت هذا العام بنسبة 80%، وأن المنظمة تشهد تراجعاً في استقبال التمويلات منذ العام 2017.
وأضاف المتحدث أن المفوضية لم تعد لديها القدرة على استيعاب حاجات اللاجئين الطبية، رغم أنها استقبلت خلال العامين الماضيين، منذ اندلاع حرب السودان، أكثر من 100 ألف حالة للعلاج، وتكفلت ببعض الحالات، لكنها أبقت حالات أخرى على قائمة الانتظار.
وقال إن المنظمات التي تشارك المفوضية، مثل الهجرة الدولية ومرسال وكاريتاس وغيرهم، لديهم سقف محدد للعلاج، لكن هناك مشكلة بالنسبة للأمراض مرتفعة التكلفة مثل الأورام والعمليات الجراحية، وقد جرى التواصل مع بعضهم في الفترة الماضية، وإبلاغهم بشكل رسمي بعدم القدرة على تحمل تكاليف علاجهم.
يضيف المصدر أن المنظمة أوقفت أيضاً استقبال حالات جديدة منذ الشهر الماضي بعد إعلان الوكالة الأمريكية للتنمية توقف التمويل، وتبقى المشكلة الأكبر في كيفية تدبير تكاليف المرضى المتواجدين أساساً داخل المستشفيات.
وقال إن العلاج ينحصر الآن في الحالات الخطيرة التي لا يمكن علاجها داخل المنزل وتحتاج إلى رعاية داخل المستشفيات، وإن منظمته تحاول إقناع المستشفيات الخاصة بإبقاء المرضى لحين إيجاد وسيلة تمويل أخرى، وقد وافق بعضها، في حين لم يتم التوصل إلى تفاهمات مع البعض الآخر خشية عدم توفر الدعم.
ولفت إلى أن المشكلة لم تعد تتعلق فقط بإيجاد تمويلات للمرضى، فالاتجاه إلى تقليص أعداد العاملين في المنظمة وصعوبة الالتزام بدفع الرواتب يعد هاجساً كبيراً لمئات الموظفين، موضحاً أن عشرات المنظمات التي تعمل بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين تواجه مأزق الاستمرار في تقديم الخدمات، ولا يقتصر الوضع على المجال الصحي فقط، بل يطال مجالات توفير السكن والغذاء وتقديم دعم مادي شهري للأسر المحتاجة.
ويشرح المصدر أن هناك جاليات، مثل الجالية السورية، لديها منح دولية وجمعيات توفر لها العلاج، لكن تبقى المشكلة في الجنسيات الإفريقية، فوضعهم الصحي سيئ، ويوجد سقف مادي لدى المنظمات لعلاجهم، وهذا السقف لا يغطي النفقات المطلوبة، لدرجة أن هناك مستشفيات خاصة تحتجز المريض أو جثمانه لحين دفع مستحقاتها.
ووفقاً لما أعلنته المفوضية، فإنها تلقت خلال العام الماضي أقل من 50% من أصل 135 مليون دولار كانت بحاجة إليها لمساعدة أكثر من 939,000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين من السودان و60 دولة أخرى يقيمون حالياً في مصر.
وانخفاض التمويل الإنساني وضع المفوضية في مأزق كيفية تأمين تمويل عاجل لدعم الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم، والناجين من العنف الجنسي والتعذيب.
وبالمثل، فإن المنظمة الدولية للهجرة كانت تدعم آلاف المهاجرين غير المقبولين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو العالقين على قوائم الانتظار، وبعد وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم المنظمة، ستتوقف تماماً عن قبول أي طلبات جديدة.
الدعم للحاجات الأساسية ليس العلاج بينها
وقالت ناشطة سودانية على صلة بأوضاع اللاجئين في مصر لـ"عربي بوست" إن أزمات نقص التمويل مؤخراً تفاقمت في ظل ارتفاع تكاليف العلاج في مصر، ووجود معدلات مرتفعة من أصحاب الأمراض المزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج بشكل مستمر، وكذلك حاجتهم إلى متابعة طبية متكررة على مدار العام.
في حين أن عموم اللاجئين الذين فروا من الحرب الدائرة الآن ليس لديهم مصادر دخل، أو يكاد دخلهم يكفي لدفع إيجار المنزل والمأكل والمشرب، وأن طول أمد الحرب أثر سلباً على قدرة أبناء السودان العاملين في الخارج على الاستمرار في استيفاء تكاليف كثير من الأسر، وفي حال وصل الدعم، فإنه يبقى للحاجات الأساسية، والتي ليس من بينها العلاج.
وأضافت أن مفوضية اللاجئين كانت تحدد أعماراً معينة للذين تقدم لهم العلاج، وهم من كبار السن ممن فوق 60 عاماً، وكذلك الأطفال، ويتم علاج باقي الفئات وفقاً للحالات الحرجة أو ممن يحتاجون إلى رعاية صحية دائمة وطويلة، مثل مرضى التوحد أو السرطان، ومع تفاقم أزمة التمويل الشهر الماضي، أضحى التركيز على الحالات الحرجة فقط، وخرج الجزء الأكبر من التغطية التي كانت تقدمها المفوضية والمنظمات التابعة لها.
وأشارت إلى أنه بعد تقليص المساعدات الإنسانية ووقف التمويل، اتجه أعداد كبيرة من المرضى إلى المستشفيات الحكومية المكتظة أساساً بالمرضى المصريين، وهناك حالات وفاة نتيجة امتناع المستشفيات العامة عن استقبال لاجئين لا يحملون إقامة سارية.
تستكمل الناشطة أنها رصدت لاجئين مصابين بأعراض خفيفة أو يعانون أمراضاً مزمنة بسيطة يذهبون إلى الصيدليات كبديل للمستشفيات، وعندما يصدمهم سعر الدواء، يبحثون عن جمعيات خيرية أو منظمات أو مراكز تقدم دعماً مادياً.
وذكرت أن اللاجئين السودانيين اتجهوا الآن إلى وسيلة أخرى تساعدهم على التعامل مع أوضاعهم الصحية الصعبة، وذلك من خلال مبادرات أطلقها أطباء سودانيون في تخصصات طبية مختلفة لمحاولة التخفيف من معاناة المرضى، وتكون الاستشارة الطبية هاتفياً أو في منازل سكنية بعيداً عن أعين الحكومة المصرية، لأنهم ليس لديهم الحق في فتح عيادات خاصة بهم.
وقالت إن هؤلاء الأطباء يوفرون الأدوية الضرورية فقط الزهيدة الثمن، مشيرة إلى أن منظمة "سابا" تلعب دوراً مهماً في التعامل مع تراجع الدعم المقدم للمرضى، وهي تتلقى تمويلات من السودانيين العاملين في الخارج.
وحذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الشهر الماضي، من إمكانية حرمان ما يقدر بنحو 12.8 مليون شخص نازح قسراً – بينهم 6.3 مليون طفل – من الأنشطة الصحية المنقذة للحياة في عام 2025 نتيجة عدم توفر الموارد الكافية.
وأوضحت أن أزمة التمويل الإنساني القائمة، والتي تفاقمت بسبب انخفاض الإنفاق الصحي في الدول المضيفة، تؤثر على نطاق وجودة برامج الصحة العامة والتغذية المخصصة للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، مما يعطل إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويزيد من مخاطر تفشي الأمراض، وسوء التغذية، والحالات الصحية المزمنة غير المعالجة، وحالات الصحة النفسية.
لا مكان في المستشفيات الحكومية
كان خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان المصري، قد استعرض في اجتماعه مع رئيس الحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي، الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة للمهاجرين واللاجئين في قطاع الصحة، مشيراً إلى أن هناك حوالي تسعة ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر.
واستقبلت مصر أكثر من 1.5 مليون سوداني ممن اضطروا للفرار من أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً، وهو العدد الأكبر مقارنة بأي دولة أخرى، بما في ذلك حوالي 670,000 لاجئ سوداني مسجل لدى المفوضية.
وقد تعرض ما يزيد عن 75% من المستشفيات والمرافق العلاجية، بما في ذلك المتخصصة في أمراض السرطان والكلى والقلب وغيرها، للتدمير في السودان جراء الحرب التي اندلعت قبل عامين تقريباً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأكدت محامية سودانية على تواصل مع اللاجئين السودانيين ومنظمة "كاريتاس"، وهي إحدى المنظمات العاملة مع مفوضية الأمم المتحدة، لـ"عربي بوست"، أن القنصلية المصرية في حلفا وبورتسودان فتحت مؤخراً تأشيرات لاستقبال المرضى السودانيين الذين يعانون مشكلات صحية صعبة بسبب استمرار الحرب.
وقالت إن الأمر دفع الكثيرين لمحاولة استخراج هذه التأشيرات خلال الشهر الماضي، غير أن توقف تمويلات العلاج جعل البعض يفكر في عدم القدوم إلى القاهرة، مع صعوبات توفير تكاليف العلاج، والتي تبقى إضافية إلى جانب تكاليف السفر والانتقال والإقامة، ويفضلون البحث عن أي مؤسسات صحية يمكن أن توفر لهم العلاج داخل السودان.
وأضافت أن المستشفيات الخيرية المصرية أضحت مكتظة باللاجئين من جنسيات مختلفة، مع اتجاه المستشفيات الخاصة نحو طرد المرضى ممن لم يتمكنوا من دفع تكاليف العلاج، مشيرة إلى أن الضغط أضحى أكبر أيضاً على المستشفيات الحكومية المصرية، لكنها في الأغلب تجد مبررات عديدة تقود إلى عدم استقبال غالبية المرضى، إلا في حالة الأمراض المستعصية.
وأشارت إلى أن منظمة كاريتاس كانت تدفع مبلغاً شهرياً لأصحاب الأمراض المزمنة يصل إلى 900 جنيه، لكنها أضحت الآن غير قادرة على توفير هذه المبالغ، كما أن المنظمة كانت تطالب اللاجئين بتقديم تقرير طبي من المستشفى بالوضع الطبي قبل إصدار قرار تقديم الدعم، لكن الآن الجزء الأكبر من المستشفيات الخاصة في مصر يرفض منح هذا التقرير، لإدراكها صعوبة تحصيل الأموال من المنظمات الإغاثية.
وقالت إن هناك مئات الحالات التي تنتظر الموافقة على إجراء عمليات زراعة الكبد والكلى، كما أن هناك أعداداً كبيرة تعرضت لمضاعفات سلبية نتيجة عدم التعامل سريعاً مع الجلطات التي تعرضت لها.
وأوضحت أن المنظمات الإغاثية بدأت في الإعلان عن بعض الأمراض التي لا توفر لها علاجاً بسبب ارتفاع تكاليفها، بينها زراعات الكلى، فيما يواجه اللاجئون صعوبات في الحصول على موافقة حكومية أيضاً، وبالتالي فإن البديل يبقى انتظار الحصول على دعم مادي للعلاج على نفقة اللاجئ، ويقود ذلك إلى زيادة معدلات التشرد في بلدان اللجوء بوجه عام.
تراجع الدعم الصحي للمرضى اليمنيين
وتستقبل المستشفيات الجامعية والعامة المصرية المرضى اليمنيين، وتسري عليهم القواعد التي تسري على المصريين، وفي حالة الأمراض المستعصية، تحوِّل المستشفيات أوراق اللاجئين إلى منظمات وهيئات دولية تتولى دفع تكلفة العلاج عنهم، أسوة بمنظومة العلاج على نفقة الدولة في مصر.
وقال أحد مسؤولي الجالية اليمنية في مصر لـ"عربي بوست" إن ما يتعرض له اللاجئون السودانيون ينعكس أيضاً على المرضى اليمنيين، الذين تراجع الاهتمام بتقديم الدعم الصحي لهم مع توافد ملايين الفارين من الحرب الدائرة في السودان.
هذا إلى جانب صعوبات الحصول على التقرير الطبي الذي يصدر من المستشفيات الحكومية المصرية، ويساعد في الوصول إلى مصر وفقاً للتأشيرة الطبية التي تقبلها القاهرة، لافتاً إلى أن غالبية من يتوافدون إلى مصر الآن هم في الأساس يبحثون عن العلاج، لكنه أضحى مرتفع الثمن بشكل كبير.
0 تعليق