منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية واسعة النطاق "الجدار الحديدي" في قلب المدن الفلسطينية بالضفة الغربية في يناير/كانون الثاني 2025، تزايدت المخاوف من أن إسرائيل تكرر تدميرها الشامل الذي مارسته في قطاع غزة، وتكريس واقع جديد ينعكس سلباً على مستقبل القضية الفلسطينية.
ويوم الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي إرسال 6 سرايا جديدة إلى الضفة الغربية، بهدف ما أسماه "تعزيز الأمن فيها".
ومع مرور نحو ثلاثة أشهر على العمليات العسكرية في الضفة الغربية، أصبح من الواضح أن الاحتلال حوّل المخيمات الشمالية فيها إلى "غزة ثانية".
وتركزت عمليات الاحتلال في شمال الضفة الغربية على جنين وطولكرم وطوباس وقباطية ونابلس، واكب ذلك مشهد غير مسبوق منذ أكثر من 20 عاماً، بدخول دبابات الاحتلال إلى جنين.
وواكبت الحملة العسكرية الإسرائيلية اعتقال المئات من الفلسطينيين، وتدمير واسع للبنية التحتية والمنشآت الحيوية، وتحويل منازل المواطنين إلى ثكنات عسكرية، ونزوح جماعي لعشرات الآلاف من سكان تلك المناطق، ما خلّف معاناة إنسانية متفاقمة.
متى بدأت العملية العسكرية ومناطقها؟
بدأت الحملة العسكرية في مخيم جنين شمال الضفة الغربية في 21 يناير/كانون الثاني 2024، بعد أيام قليلة من حملة أمنية لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضد عناصر المقاومة في جنين.
حيث حاصرت أجهزة أمن السلطة مخيم جنين لمدة 48 يوماً بهدف إنهاء حالة المقاومة، وبعد إخفاق السلطة في تحقيق أهدافها انسحبت من المخيم لصالح عملية الاحتلال العسكرية.
وبعد أيام من الحملة العسكرية على جنين، توسعت حملة الاحتلال لتطال محافظة طولكرم ومخيماتها شمال الضفة في 27 يناير/كانون الثاني 2025، لتتدحرج بعد ذلك إلى مناطق أخرى وصلت مؤخراً إلى مخيم بلاطة في نابلس.
وفي مخيم جنين، تمتد العمليات داخله في جميع زواياه، وتشمل المنازل والمباني السكنية التي تم تحويلها إلى نقاط لانتشار القوات، وكذلك المناطق المحيطة بمراكز الخدمات الحيوية والمستشفيات مثل مستشفى جنين الحكومي ومرافق ابن سينا، بحسب مصادر ميدانية لـ"عربي بوست".
أما في طولكرم، فقد توسعت العمليات العسكرية لتشمل كافة أحياء المدينة ومخيماتها، فقد شملت الهجمات الشوارع الرئيسية مثل دوار جمال عبد الناصر وشارع المقاطعة، وما زالت القوات تتوغل في أحياء مثل البلاونة والشهداء والحدايدة والحمام والمطار، حيث الدمار هائل وكبير، إلى جانب المناطق المحيطة بالمستشفيات مثل مستشفى الإسراء ومستشفى ثابت ثابت.

أما في بلدة طمون ومخيم الفارعة بمحافظة طوباس شمالي الضفة الغربية، فقد طالتها حملة الاحتلال العسكرية في 1 فبراير/شباط 2025، عانى فيها السكان من نفاد المواد التموينية، وانقطاع شبه كامل للكهرباء، وسط تدمير للبنية التحتية للمنطقة.
ما أبرز الانتهاكات الإسرائيلية في شمال الضفة؟
بلغ عدد الشهداء منذ بدء العملية العسكرية في شمال الضفة نحو 89 شهيداً، من بينهم (38 في جنين، 13 في طولكرم، و14 في طوباس).
فيما تجاوز عدد المعتقلين في مناطق العمليات أكثر من 2000 معتقل، نحو 300 منهم في جنين، و260 في طولكرم.
كما نزح 20 ألف مواطن من جنين، و16 ألفاً من طولكرم، و4400 من طوباس.
كيف أصبحت المخيمات في شمال الضفة؟
تكشف صور الأقمار الصناعية لمخيمات جنين ونور شمس وطولكرم للاجئين، عن حجم الدمار الذي لحق بها نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة.
وتقول صحيفة "هآرتس" إن الصور تظهر الدمار الكبير في مخيم جنين للاجئين، ودماراً أقل في نور شمس وطولكرم، وتشير المعطيات إلى أن الاحتلال دمّر 600 منزل بشكل كامل في مخيم جنين (ثلثي إجمالي المنازل بالمخيم)، فيما أصبحت قرابة 3000 وحدة سكنية غير صالحة للسكن.
ويقول رئيس بلدية جنين، محمد جرار، إن الاحتلال دمر أحياء كاملة في مدينة جنين، بعضها في الجزء الشرقي غير القريب من المخيم، وبعضها الآخر محاذٍ له.
كما تشير المعطيات إلى أن الاحتلال هدم 396 منزلاً بشكل كامل في طولكرم و2573 بشكل جزئي، وتركزت أعمال الهدم في مخيمي طولكرم ونور شمس.

إلى ذلك أنشأ الاحتلال حواجز ثابتة ومؤقتة في مناطق مختلفة (126 في جنين، 104 في طولكرم، و30 في طوباس).
ما خطة الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات ومدن الضفة؟
تهدف خطط الجيش الإسرائيلي إلى محو مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس بالكامل، وتحويلها إلى أحياء داخل المدن، بهدف منعها من أن تكون حاضنة للمنظمات الفلسطينية المقاومة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وبحسب الصحيفة، فإن الخطة الإسرائيلية في مخيمات شمال الضفة الغربية تتمثل في ضمان حرية النشاط وخلق واقع أمني جديد.
وبالفعل، فقد هُدم 200 منزل في مخيم جنين لشق طرق بطول 5 كيلومترات، أما في مخيم نور شمس فقد هُدم 30 منزلاً لشق طرق بطول نصف كيلومتر.
وفي طولكرم هُدم 15 منزلاً، لشق طريق بطول 200 متر، والغرض من ذلك هو تسهيل وصول القوات الإسرائيلية عند الحاجة.
תצלומי אוויר שאנחנו חושפים ב"הארץ" מראים את ההרס השטתי של בתים במחנות הפליטים בצפון הגדה על ידי צה"ל במהלך מבצע "חומת ברזל".
פה מחנה הפליטים ג'נין, אמצע נובמבר לעומת סוף מרץ.
הסיפור המלא עם @avischarf:https://t.co/uHQDZVQKy7 pic.twitter.com/nWO6BpQ6Qb— Hagar Shezaf (@hagar_shezaf) April 8, 2025
ونقل موقع "ميدل إيست آي"، عن عضو اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم نور شمس، صالح الزهيري، أن الجيش يقسم المخيم إلى أقسام ويفتح شوارع رئيسية، لا يقل عرض كل منها عن 500 متر.
وبسبب مواقع المخيمات، فإن هدم منزل واحد يتسبب بتضرر جميع المباني المجاورة، نظراً للتصميم الهيكلي للمخيمات، حيث المساحة المحدودة.
ويقول الزهيري، إنه "عندما نُبلّغ بنية هدم 30 منزلاً، فهذا يعني في الواقع هدم 100 منزل على الأقل، لأن جميع المنازل مبنية عمودياً".
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش أعد خططاً مماثلة للمخيمات الـ18 المتبقية في الضفة الغربية، لكنها لن تُنفذ إلا إذا حدت هذه المخيمات حذو مخيم جنين.
كما نوهت الصحيفة إلى أن هدف الجيش هو تدمير رواية اللاجئين التي تروجها المخيمات الفلسطينية المنتشرة.
واللافت، بحسب الصحيفة، أن الجيش يعتزم منع الفلسطينيين من البناء في الأماكن التي تم تدميرها (الطرق والمنازل).
وفي هذا الصدد، تؤكد صحيفة "هآرتس" أن العملية العسكرية تمحو آخر جزء صغير من الضفة الغربية كان يعمل تحت مظهر من أشكال السيطرة المحلية الفلسطينية (المنطقة أ).
وبهذا المعنى، فإن "الجدار الحديدي" أحدث امتداداً جغرافياً (من خلال الوسائل العسكرية) للسيطرة الإسرائيلية على المنطقة ج (60% من الضفة)، والمنطقة ب (20% من الضفة).
وقد أُنشئت هذه المناطق المحددة في الضفة الغربية بموجب اتفاق أوسلو الثانية عام 1995، حيث حددت هذه الاتفاقية حدود المناطق التي خضعت لدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي الفلسطيني في المنطقتين (أ) و(ب)، بالتزامن مع إعادة انتشار إسرائيلية تدريجية.
لكن إسرائيل كسرت حاجزاً فكرياً وسياسياً بعملية "الدرع الواقي" عام 2002، بإعادة احتلالها مؤقتاً للمدن والبلدات الفلسطينية التي انسحب منها جيشها في منتصف التسعينيات.
وتغير ترسيم حدود المنطقة (ب) مع مرور الوقت، وبدأ ترسيخ تدريجي للسيطرة الإسرائيلية الدائمة على المنطقة (ج) من خلال المستوطنات.
وتُعد خريطة المنطقة (ج) المتعرجة بأشرطة جغرافية سميكة مفتاحاً لقطع أي تواصل جغرافي للمجتمع الفلسطيني أو أي دولة فلسطينية مستقبلية.

وتشير "هآرتس" إلى أنه في السنوات الأخيرة، امتدت المستوطنات، والبنية التحتية المحيطة بها، والوجود العسكري، والمناطق العازلة، و"أراضي الدولة"، إلى المنطقة (ب).
كما سيطرت إسرائيل على حركة جميع المستوطنين في الضفة الغربية بطرق مختلفة من خلال أنظمة تصاريح معقدة ومنيعة.
وكذلك تسيطر إسرائيل فعلياً على اقتصاد الضفة الغربية من خلال بروتوكول باريس، والاتفاقيات الاقتصادية التي كانت جزءاً من عملية أوسلو، بينما تستغل موارد الضفة الغربية الطبيعية.
وتقول "هآرتس"، إنه بعد أكثر من عام من التدمير الاقتصادي والاجتماعي في الضفة الغربية، فإن العمليات الجديدة التي يشنها الجيش الإسرائيلي، والتي تتجاوز كل الاحتياجات الأمنية، يمكن أن تمتد بسهولة إلى احتلال عسكري جديد ودائم لآخر مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني الاسمي.
ما دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في العملية الإسرائيلية؟
تشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن الجيش الإسرائيلي ينسق مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، مما يسمح لها بتنفيذ عمليات أمنية واسعة وغير مسبوقة بشكل يومي في قرى قرب جنين وطولكرم.
ويشمل ذلك اعتقال مئات الفلسطينيين المطلوبين، ومصادرة أسلحة وذخائر، وعمليات في مناطق لم تكن الشرطة الفلسطينية نشطة فيها لسنوات.
وتذكر الصحيفة الإسرائيلية أن التعاون بين الجانبين خفف العبء العملياتي على القوات الإسرائيلية، مما سمح لها بالتركيز على المداهمات المكثفة التي تستهدف بؤر المقاومة الفلسطينية في المنطقة، وتحديد الخلايا والبنى التحتية التي تحاول إعادة تنظيم صفوفها.
0 تعليق