قصف الدعم السريع لبورتسودان يثير قلق القاهرة.. مصر تخشى اقتراب المواجهات من حدودها، وهكذا تخطط لمواجهتها - بلد نيوز

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار المنحى التصعيدي لأحداث الحرب في السودان خلال الأيام الماضية قلقاً بالغاً لدى مصر، بعد استهداف قوات الدعم السريع مدينة بورتسودان بالطائرات المسيّرة، مع العلم أن القاهرة حاولت استباق هذا التطور عبر لقاء جرى مؤخراً بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

واعتمدت قوات الدعم السريع لليوم الرابع على التوالي على الأسلحة المسيّرة في استهداف المنشآت المدنية والعسكرية في مناطق سودانية لم تصل إليها الحرب تحديداً في الولاية الشمالية الواقعة جنوب مصر وكذلك ولايات شرق السودان، بخاصة بورتسودان وكسلا، وما أعقب ذلك من إعلان السودان قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات.

أمام هذه التطورات، تواجه مصر صعوبة في التعامل مع الحرب في السودان، خاصة مع الدعم العسكري الخارجي الذي تستفيد منه قوات الدعم السريع. فكيف تواجه القاهرة توسع الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من سنتين؟ وهل تتدخل القاهرة عسكرياً لوقف تطور ساحة المواجهة، خاصة وأنها باتت قريبة من حدودها الجنوبية؟

مواجهة الدعم السريع وأطراف داعميه الخارجيين

كشف مصدر مصري مطلع عن أن التعامل مع الحرب في السودان صعب للغاية، لأن أهداف الطرفين المتحاربين متعارضة وليس هناك سبيل سهل للتوفيق بينهما، وأن الدعم السريع يعترض على أي مساعي تستهدف دمجها بشكل كامل في الجيش لكي تكون تابعة للدولة السودانية، ويهدف قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى الاحتفاظ بقواته.

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن حميدتي يعتمد على الدعم القبلي إلى جانب الدعم الخارجي الذي يتلقاه من أطراف مختلفة، وأن مساعي القاهرة لتثبيت أركان الدولة السودانية لا تتماشى مع توجهات قوى تسعى لأن يكون لها حضور بالسودان، ومن مصلحتها أن تبقى نتيجة الحرب لصالح قوات الدعم السريع (دون أن يشير صراحة إلى هذه القوى).

وأكد المصدر أن حميدتي يحظى بدعم خارجي سخي، وهو ما ينعكس على فشل جميع محاولات الوساطة بين الأطراف المتحاربة، كما أن الجيش السوداني "لديه تحالفات مع قوى ليس من مصلحتها وقف الحرب" على حد تعبير مصدر "عربي بوست" الذي فضل عدم ذكر اسمه.

واستطرد قائلاً: "وبالتالي فإن الحكومة المصرية تجد نفسها في موقف محرج، لأن استقرار السودان أمر مهم بالنسبة للدولة المصرية، وهو أمر تسعى إليه من خلال إعلان دعمها لمؤسسات الدولة الرسمية في مقدمتها الجيش، وليس هناك خيارات سوى الاستمرار في تقديم الدعم الدبلوماسي للحكومة السودانية".

وأشار المصدر إلى أن إقناع الأطراف الداعمة لعناصر الدعم السريع بوقف إمدادها بالسلاح يبقى أيضاً أحد مهام القاهرة خلال الفترة المقبلة، وهناك اتصالات تجري لتشكيل تكتل عربي إفريقي يضغط على الدول الداعمة للمليشيات للتهدئة.

وأضاف المتحدث أن القاهرة تعمل على تقديم مزيد من الدلائل للتأكيد على خطورة التصعيد الحالي في السودان على أمن منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي وانعكاساته على الاستثمارات العربية والخليجية في تلك الدول، مشيراً إلى أن التنسيق مع السعودية للعب دور الوسيط يعد أحد الأوراق المطروحة خلال الفترة المقبلة.

اندلاع حرائق في بورتسودان بعد هجوم الدعم السريع بالطائرات المسيّرة/ رويترز
اندلاع حرائق في بورتسودان بعد هجوم الدعم السريع بالطائرات المسيّرة/ رويترز

ونفى المصدر مشاركة مصر عسكرياً في الحرب في السودان، معتبراً أن الأمر غير وارد، وأن اتساع نطاق استخدام سلاح المسيرات يجعل الجيش السوداني بحاجة إلى أسلحة مماثلة، وسيتجه إلى حلفائه في الصين أو روسيا للحصول عليها.

كما أشار مصدر "عربي بوست" إلى أن القاهرة تدرك صعوبة التعويل على الحلول الدبلوماسية طالما أن أطماع الأطراف الداعمة لقوات الدعم السريع مستمرة، وفي حال تدخلت أطراف أخرى للحل فإنها سوف تبحث عن أطماع مماثلة.

وأجرى وزير الخارجية والهجرة المصري، الثلاثاء 6 مايو/أيار 2025، اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية السودان، حيث أعرب عن تضامن مصر مع السودان إزاء الاستهداف الأخير للبنى التحتية المدنية والمنشآت الحيوية في بورتسودان، كما أكد على ضرورة تجاوز التصعيد الخطير الحالي وتحقيق التهدئة، وصولاً إلى وقف إطلاق النار المنشود.

وأدانت القاهرة قبل هذا الاتصال "بأشد العبارات الاستهداف المكثف الذي تعرضت له المنشآت والبنى التحتية المدنية في بورتسودان"، وشدد بيان للخارجية المصرية على "خطورة التصعيد الأخير، وتأثيره شديد السلبية على جهود وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتعزيز نفاذ المساعدات الإنسانية للمحتاجين في السودان الشقيق".

وفجر الثلاثاء 6 مايو/أيار، اندلعت حرائق في مطار بورتسودان ومحيط الميناء الجنوبي بمدينة بورتسودان إثر سماع دوي انفجارات قوية، وبعدها بساعات أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني قطع العلاقات مع دولة الإمارات واعتبارها "دولة عدوان" لما اعتبره المجلس دعماً يتم تقديمه لمليشيا الدعم السريع.

ولفت بيان مجلس الأمن والدفاع السوداني إلى أن الميليشيا صعدت من استهدافها للمنشآت الحيوية والخدمية في السودان، وآخرها استهداف ميناء ومطار بورتسودان ومحطات الكهرباء والفنادق وعرضت حياة المدنيين وممتلكاتهم للخطر، وأشار إلى أن التصعيد في بورتسودان يهدد الأمن الإقليمي والدولي وبشكل خاص الأمن في البحر الأحمر.

حالة الاستقطاب الحادة تعرقل مساعي القاهرة

لم تعلق مصر على بيان السودان بشأن دولة الإمارات، غير أن مصدر دبلوماسي مصري شدد على أن القاهرة تحاول تخفيف حدة التصعيد ولا تنوي الانخراط بشكل مباشر في الصراع، وتعمل على التنسيق مع دول إقليمية أخرى نحو التهدئة.

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن القاهرة تدرك دوافع السودان من التصعيد الدبلوماسي والذي يأتي كرد فعل لما شهدته العاصمة الإدارية المؤقتة من ضربات قوية، وكذلك مع خسارة السودان جولة قضائية مع ذهابه إلى محكمة العدل الدولية التي قضت بعدم اختصاصها وقررت شطب القضية.

وأضاف المصدر ذاته أن مصر ستتجه إلى تفعيل أدوات التواصل بين الجيش والدعم السريع وكذلك بين السودان ودولة الإمارات، وأشار إلى أن المشكلة تكمن في ما إذا كانت القاهرة تتوفر على أدوات الضغط المطلوبة للضغط بمفردها.

وأشار إلى أن نجاح الضغط سيكون بحاجة إلى تحرك إقليمي أوسع بما يساهم في وقف تمدد الحرب، مشيراً إلى أن الدبلوماسية المصرية هدفها الرئيسي يتمثل في عدم الوصول إلى نقطة تقسيم السودان، والتي سيكون لديها عواقب سلبية على الأمن القومي المصري.

وأشار الدبلوماسي المصري إلى أن بلاده تخشى من أن يكون وصول الصراع إلى شرق السودان بوابة لمزيد من التوتر على ساحل البحر الأحمر، وفي الوقت ذاته فإنها تلقت إشارات من جانب مجلس السيادة من أن إقامة قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان لن يكون وقته الآن، وأن المستهدف تعزيز التواصل مع قوى دولية عديدة.

ولفت المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن القاهرة تهدف لأن يكون الجيش السوداني حاضراً في معادلة مساعي إثيوبيا أو إسرائيل لإيجاد موطأ قدم لهما على ساحل البحر الأحمر.

وذكر المصدر أن القاهرة قدمت خلال الشهر الماضي خطة لجمع كافة القوى السودانية في القاهرة، بما في ذلك مندوبون عن الجيش وقوات الدعم السريع، غير أن التطورات العسكرية الأخيرة في بورتسودان وقطع العلاقات مع الإمارات سوف تؤخر انعقاد هذه الاجتماعات في ظل حالة الاستقطاب الحادة.

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن مصر كانت تنتظر الانتهاء من وضع الأطر الرئيسية للإعلان الدستوري الذي يعده رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان والتباحث حولها بين مختلف القوى السياسية ليكون متفقاً عليه حال توقفت الحرب.

ولفت إلى أن تصعيد الحرب لن يثني القاهرة عن المضي قدماً في مساعدة السودان نحو جهود الإعفاء المبكر وإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية، لافتاً إلى أن سرعة حسم الحرب ينعكس إيجاباً على قرارات السودانيين المتواجدين في مصر بالعودة إلى بلادهم.

اتهامات للإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح
اتهامات للإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح

غير أن التصعيد الأخير في ولايات الشمال والشرق أثر سلباً على رحلات العودة وقد يكون هناك انتكاسة بشأن وصول أعداد جديدة إلى الأراضي المصرية، بخاصة وأن جزءاً كبيراً ممن غادروا الأراضي المصرية ما زال بعض من أسرهم متواجدين ولم يغادروا معهم.

وكشفت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة عن عودة نحو 50 ألف سوداني من مصر خلال إبريل/نيسان 2025، ليرتفع عدد العائدين إلى السودان لنحو 165 ألف شخص، وأن العائدين خلال 2024 بلغ عددهم 42 ألف شخص، فيما عاد خلال الربع الأول من هذا العام قرابة 123 ألف شخص، بعد سيطرة الجيش على الخرطوم وولاية الجزيرة.

وحسب مصدر مسؤول مطلع على الأحداث الجارية تواصل معه موقع "عربي بوست"، فإن القاهرة تتحرك في الملف السوداني عبر عدة اتجاهات، في مقدمتها تقديم الخبرات العسكرية المطلوبة للتعامل مع الضربات التي تستهدف المنشآت الحيوية السودانية.

وأضاف المصدر أن زيارة البرهان الأخيرة للقاهرة تطرقت لمسألة الحصول على منظومة دفاع جوي تساعد في الحد من قدرات مسيرات الدعم السريع، خاصة وأن المليشيات لديها مسيرات متطورة تتطلب أسلحة أكثر تطوراً للتعامل معها بعد أن حقق الجيش تقدماً عسكرياً مهماً على الأرض.

"الحسم العسكري" مغامرة غير محسوبة العواقب

المصدر المسؤول قال لـ"عربي بوست" إن مصر تنسق أمنياً مع السودان لضمان عدم وصول الحرب إلى الولاية الشمالية وهي على الحدود المصرية الجنوبية، وعلى الرغم من التصورات المطروحة بصعوبة وصول الحرب إلى هناك، فإن التنسيق بين الجانبين يأخذ مزيداً من التعاون لضمان أمن الحدود.

وأشار المتحدث إلى أن القاهرة تتوجس من تهديدات الدعم السريع لاجتياح الولاية الشمالية، وترى ضرورة تعزيز القدرات العسكرية السودانية التي تقوض تلك الأهداف التي أعلن عنها قائد ثانِ الدعم السريع عبدالرحيم دقلو الشهر الماضي.

وذهب المصدر للتأكيد على أن الدبلوماسية المصرية تحاول حصار الحكومة الموازية التي تنوي قيادة قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي الإعلان عنها الأيام المقبلة، وتنسق مع أطراف دولية عديدة لإعلان رفضها ومنع التعامل معها.

وأشار إلى أن القاهرة لديها تحفظات على طبيعة تحالفات الجيش السوداني ولديها رغبة أكبر في الجلوس على طاولة المفاوضات، وترى بأن الحسم العسكري لوقف الحرب في السودان مغامرة غير محسوبة العواقب في ظل عدم القدرة على إحكام منافذ إمداد مليشيات الدعم السريع بالسلاح.

السودان يشهد حربا مستمرة منذ عامين وسط مأساة إنسانية/ الأناضول
السودان يشهد حربا مستمرة منذ عامين وسط مأساة إنسانية/ الأناضول

وفي منتصف يناير/كانون الثاني 2025، زار وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بورتسودان، بعد وقت قصير من سيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني، وهو ما كان مؤشراً إلى النجاحات الميدانية التي توجت باستعادة العاصمة الخرطوم.

وخلال تلك الزيارة، طرح وزير الخارجية المصري إمكانية مساعدة السلطات الانتقالية التي يقودها عبد الفتاح البرهان على إعادة إعمار السودان في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.

وخلال شهر أبريل/نيسان 2025، نقل رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، رسالة شفهية من السيسي إلى البرهان، خلال زيارة إلى بورتسودان تطرقت لمسألة التنسيق الأمني بين البلدين، وبعدها بأيام زار البرهان القاهرة قبل نهاية الشهر الماضي في زيارة جاءت بدعوة مصرية عبرت أيضاً عن قلق القاهرة من تطورات الأوضاع الأمنية.

ويخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" منذ منتصف أبريل 2023 حرباً خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد قتلى الحرب في السودان بنحو 130 ألفاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق