أثبتت المواجهة الأمريكية الأخيرة مع جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن أن حاملات الطائرات الأمريكية، التي تصل تكلفة الواحدة منها مليارات الدولارات، يمكن تهديدها بأسلحة زهيدة الثمن مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ الهجومية. هذه الأسلحة، التي قد لا تتجاوز كلفة بعضها بضعة آلاف من الدولارات، باتت قادرة على إلحاق الضرر بالحاملات، بطائراتها، وبأطقمها. وتُعد هذه الجرأة سابقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ لم يُمس هذا الرمز للتفوق العسكري الأمريكي والهيمنة البحرية طوال 80 عاماً.
وعانت الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن من خسائر كبيرة مادية ولوجستية طوال الحملة العسكري التي تزامنت مع الحرب في غزة، سواء في عهد بايدن أو ترامب، حيث اعترفت البحرية الأمريكية يوم الإثنين 29 أبريل/نيسان 2025، بخسارة مقاتلة من طراز "إف 18" عندما فقد طاقم النقل السيطرة عليها لتسقط في البحر خلال استهداف حاملة الطائرات "يو أس أس هاري ترومان". وبعد هذا الحدث النادر، نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية عن مسؤول قوله إن الطائرة إف-18 غرقت، حيث تبلغ تكلفتها أكثر من 60 مليون دولار". ووفق بيان البحرية الأمريكية، أصيب بحار إثر سقوط المقاتلة من على متن حاملة الطائرات التي انعطفت بشدة بينما كانت تتفادى نيران الحوثيين.

بعد هذا الحادث بأسبوع واحد فقط، فقدت البحرية الأمريكية طائرة مقاتلة ثانية من طراز إف/إيه-18 سوبر هورنت من على متن حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" في البحر الأحمر، حسبما قال خمسة أشخاص مطلعين على الأمر لشبكة CNN. ولم يتضح بعد ما حدث تماماً، فالتحقيق لا يزال جارياً، لكن اثنين من المصادر أفادا بحدوث نوع من الفشل أثناء محاولة الطائرة الهبوط على حاملة الطائرات خلال هجوم من الحوثيين، واضطر الطيار وضابط أنظمة الأسلحة إلى القفز بالمظلة. وقال أحد المصادر إن مروحية إنقاذ انتشلتهما، وهما على قيد الحياة، لكنهما أصيبا بجروح طفيفة، فيما تحطمت الطائرة في البحر ولم يتم انتشالها بعد.
وخلال الحملتين العسكريتين الأمريكتين على الحوثيين في عهدي بايدن وترامب، أعلن الحوثيين مرات عديدة شن هجمات على حاملات طائرات أمريكية وصلت المنطقة لردع الجماعة اليمنية عن استهداف "إسرائيل" أو السفن المتوجهة لها دعماً لغزة، حيث شنت الجماعة هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ مجنحة على حاملة الطائرات "أيزنهاور" في مايو 2024، كما أعلنوا عن مهاجمة حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" في البحر العربي بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة في نوفمبر 2024.
تتزايد نقاط الضعف لحاملات الطائرات في الحروب الحديثة، فمع التطورات التكنولوجية وانتشار الأسلحة المسيرة الهجومية، مثل المركبات الموجهة تحت الماء غير المأهولة (UUV) والطائرات بدون طيار (UAV)، والصواريخ الباليستية المضادة للسفن، مثل صواريخ "قاتلة حاملات الطائرات" الصينية، والأسلحة الأسرع من الصوت، والتهديد النووي الدائم، تواجه حاملة الطائرات، التي كانت رمزاً للهيمنة البحرية في السابق، تحديات جسيمة، ربما تجعلها عبئاً على أصحابها.
وفي حين كانت هذه الحاملات العمود الفقري للقوة الهجومية للبحرية الأمريكية لعقود من الزمن، فإن أساليب الهجوم الجديدة، مثل الطائرات بدون طيار وأنظمة الصواريخ المتطورة، تهدد بتدمير دفاعاتها وإغراقها في البحر، كما تقول مجلة National Interest الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التقنيات الناشئة مثل الصواريخ الأسرع من الصوت (الفرط صوتية) كالتي تملكها الصين وروسيا، مثيرة للقلق بشكل خاص لأنها يمكن أن تتحرك بشكل غير متوقع بسرعات عالية، مما يجعل من الصعب اعتراضها أو مواجهتها عند ضربها لحاملات الطائرة الضخمة، التي تشبه المدن العائمة.

ويقول خبراء أمريكيون إن دور حاملة الطائرات التي يصفها الأمريكيون بـ"سيدة البحار (Master of the Seas) ورأس الحربة العسكرية (Spearhead of U.S. Power) أصبح عتيقاً وغير فعال في مواجهة هذه التهديدات، مما يشير إلى الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجي للحاجة لهذه الحاملات الضخمة والتي تبلغ تكلفتها بحجم ميزانيات دول عديدة، ولتجنب الخسائر المحتملة في الصراعات المستقبلية.
وأصبحت هذه الحاملات -التي كلفت أحدثها والأغلى في العالم USS Gerald R. Ford (CVN-78 ما قيمته 13.3 مليار دولار- ضخمة وبطيئة، يصعب مناورتها في المعارك، كما يسهل تتبعها نسبياً. وذلك بعدما كانت هذه المطارات العائمة ركيزة أساسية في القدرات الهجومية للبحرية الأمريكية لثمانين عاماً. واليوم أكثرمن أي وقت مضى، أصبحت هذه الحاملات أكثر عرضة لأعداء أمريكا المتزايدين. ويتساءل الكثيرون، عما إذا كانت تكلفتها الباهظة وتكاليف صيانتها الباهظة تستحق ذلك حقًا.
1- هجوم بمركبة تحت الماء ذاتية القيادة (UUV)
- لقد حلّ عصر الحرب الآلية، في نهاية عام 2016 وقع حدثٌ استثنائي في بحر الصين الجنوبي، حيث كانت البحرية الأمريكية تختبر إحدى طائراتها المسيّرة تحت الماء عندما اقتربت سفينة صينية واستولت عليها، واحتجزتها رهينة لعدة أيام قبل أن تعيدها أخيراً، ولكن كان من الواضح أن الصينيين مهتمون بتكنولوجيا المركبات الجوية غير المأهولة الأميركية.
- ونظراً للقفزات التي يحققها لقطاع التكنولوجيا الفائقة المتطور في الصين واستفادة الجيش الصيني إلى حد كبير من مراكز الابتكار، فإن عصر الغواصات أو المركبات بدون قائد تحت الماء، بدأ بالانتشار وأصبح تهديده متزايداً، وهو ما يثير قلق البحرية الأمريكية.
- يمكن استخدام المركبات ذاتية القيادة التي تعمل تحت الماء في العديد من المهام العسكرية المهمة، حيث يمكن استخدامها لجمع بيانات عن تحركات أساطيل العدو. ويمكن لهذه المركبات/الغواصات، حمل متفجرات عالية القوة وملاحقة فرائسها الغافلة بلا هوادة حتى تصل إلى هدفها لتُطلق حمولتها المرعبة وتغرقها في البحر.

- ومن المثير للاهتمام أن البحرية الأميركية وحلفاءها يواجهون هذا السلاح المتنامي في البحر الأحمر، حيث يمتلك الحوثيين والإيرانيين الكثير هذه الأسلحة المسيرة (UUV) وهم قادرين على تهديد سفن أعدائهم متى أرادوا ذلك.
- وفقًا لمعظم الخبراء البحريين، فإن هذه المركبات المسيرة (UUV) "يصعب اكتشافها ومواجهتها" بالنسبة للسفن السطحية. ولذلك، ارتفع مستوى التهديد لحاملات الطائرات الأمريكية. ومن المؤكد أن حاملات الطائرات تميل إلى الإبحار في مجموعات حاملات طائرات جيدة التسليح، لجعل محاولة اختراق هياكلها أمر بالغ الصعوبة، على الأقل نظرياً. ويعني التهديد الذي تشكله مركبات (UUV) وكذلك صعوبة اكتشافها واعتراضها، أن التهديد لحاملات الطائرات الأمريكية في أي منطقة توتر أو مناطق متنازع عليها، هو تهديد حقيقي، كما رأينا ذلك في اليمن. ويتجلى هذا التهديد جليًا في مناطق ذات الطبيعة الجغرافية ضيقة، مثل البحر الأحمر، ومضيق هرمز، أو حتى مضيق تايوان.
2- هجوم بطائرة بدون طيار (UAV)
- خلال السنوات الأخيرة تعاظمت أخطار الطائرات المسيرة رغم أنها موجودة منذ أكثر من عقدين، لكن أصبحت تنتشر بكثرة لسهولة تصنيعها وقلة ثمن تكلفتها، حتى أصبح تهديدها للقواعد العسكرية وللسفن المسطحة حقيقياً ويصعب مواجهته في كثير من الأحيان.
- وفي أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، اتخذت الولايات المتحدة خطوةً غير مسبوقة بنشر حاملتي طائرات في المنطقة. الأولى، وهي حاملة الطائرات الجديدة "يو إس إس جيرالد ر. فورد" توجهت إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. أما الثانية، وهي حاملة الطائرات الأقدم "يو إس إس دوايت د. أيزنهاور" فقد توجهت إلى الخليج العربي، حيث كانت تعمل في المياه الدولية القريبة من الأراضي الإيرانية، تعرضت لتحليق طائرة عسكرية إيرانية مُسيّرة وكان بإمكانها تهديدها.
- لاحقاً، شن الحوثيين العديد من الهجمات بواسطة طائرات مسيرة على 3 حاملات طائرات أمريكية في المنطقة، لذا فإن التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار، مثل التهديد الذي تشكله المركبات/الغواصات المسيرة تحت الماء، كبير للغاية ولا يمكن تجاهله.
3- القصف الصاروخي.. "قاتل حاملات الطائرات"
- أكبر تهديد تُشكله حاملة الطائرات لجيش أو دولة منافسة، يتمثل في قدرتها على نشر عدد هائل من الطائرات الحربية القوية، وإعادتها إلى حاملة الطائرات، ثم تكرار العملية عند الحاجة. لذلك طورت كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية ما يُعرف بقدرات منع الوصول/منع دخول المنطقة (A2/AD) المصممة خصيصاً لإحباط تهديد حاملات الطائرات الأمريكية.
- وتمتلك الصين نسختين من منصات صواريخها المسماة "قاتلة حاملات الطائرات"، وهي دونغ-فينغ (DF-21D)، التي يبلغ مداها حوالي 1000 ميل. تم نشر نظام ثانٍ أكثر تطورًا يُعرف باسم دونغ-فينغ 26B بمدى 2600 ميل، القادر على تدمير أي حاملة طائرات تقع في هذا النطاق.
- وتملك الصين ما يكفي من هذه الصواريخ للقيام بتدمير السفن المسطحة وحاملات الطائرات الأمريكية، ويُعتقد أن صاروخ DF-26B مزود بـ "باحث طرفي نشط" يُمكّن الصاروخ بعيد المدى من تتبع هدف متحرك آنيًا ومواكبته. لذا، فإن تباهي الولايات المتحدة بأن أحدث حاملات طائراتها غير قابلة للتدمير بفضل قدرتها على الإبحار بسرعة 35 ميلًا في الساعة، هو أمر غير مجد أمام هذه الصواريخ.

- علاوة على ذلك، طورت الصين أنظمة مراقبة متطورة لتتبع السفن الحربية الأمريكية، بدءًا من بالونات تحلق باستمرار في أماكن مثل بحر الصين الجنوبي، مُجهزة بأجهزة استشعار متطورة من هواوي. وتُضعف هذه الأجهزة لتتبع آثار جميع السفن العاملة في البحر، ومن ثم يتمكن محللو الاستخبارات الصينية من تحديد ما إذا كانت هذه الآثار من سفينة حربية أمريكية أم لا.
- وعلى مستوى أكثر تطوراً، تمتلك الصين قمراً صناعياً متقدماً للاستشعار عن بعد، وقد ربطته بالذكاء الاصطناعي المتطور. في صيف عام 2021 أثبتت الصين أن نظام الأقمار الصناعية هذا قادر على تتبع حاملات الطائرات الأمريكية من نقاط انطلاقها إلى وجهاتها. ويمكن بسهولة ربط هذا القمر الصناعي المزود بالذكاء الاصطناعي بنظام إطلاق صاروخ DF-26B لمساعدة السلاح على تتبع سطح حاملة الطائرات الأمريكية المسطحة وضربها بنجاح، مما يؤدي إلى تدمير سطحها (أو إغراقها)، وإحداث ثغرة استراتيجية هائلة في الدفاعات الوطنية الأمريكية.
4- هجوم بسلاح فرط صوتي ضد حاملات طائرات
- تعد روسيا رائدة عالمياً في صناعة الأسلحة الأسرع من الصوت (هايبر سونيك) والصين تليهما مباشرة. أما الولايات المتحدة، فتتبعهما بفارق كبير. واليوم تُمثل الأسلحة الأسرع من الصوت أكبر قفزة في تكنولوجيا الصواريخ الهجومية. وتُطور كل من روسيا والصين قاذفات استراتيجية قادرة على إطلاق صواريخ تفوق سرعة الصوت، مما يُشكل تهديدًا مباشرًا لأي حاملة طائرات أمريكية.
- أُنفقت أمريكا مئات الملايين من الدولارات لضمان قدرة حاملات الطائرات على الدفاع عن نفسها ضد مختلف هجمات الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز المضادة للسفن. لكن الأسلحة الأسرع من الصوت تُلقي بكل ذلك في مهب الريح. فالسلاح الأسرع من الصوت ينطلق بسرعة. لكن سرعته ليست ما يجعله أشد تهديدًا لحاملة الطائرات من الصواريخ التقليدية (التي تنطلق هي الأخرى بسرعة) بل إن الأسلحة الأسرع من الصوت تسير في مسارات غير متوقعة.

- إن هذه المناورات غير المتوقعة، فضلاً عن سرعتها، هي ما يجعل من الممكن أن تتسبب الصواريخ الأسرع من الصوت في أضرار كارثية (أو حتى تغرق) حاملات الطائرات الأميركية، وبحسب "ناشونال إنترست" لا توجد حالياً أي دفاعات أمريكية قابلة للتطبيق ضد الأسلحة الأسرع من الصوت التي تملكها روسيا والصين.
5- الأسلحة النووية
- وأخيراً، هناك التهديد النووي. قد يقرر الخصم ببساطة إطلاق سلاح نووي تكتيكي على حاملة الطائرات. وتمتلك كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية "قدرات نووية". وقد يقررون أن السبيل الوحيد لإنهاء تهديد حاملة الطائرات هو قصف أقربها نووياً، بعد بدء حرب ضروس مع أمريكا. وفي حين أن حاملات الطائرات تتمتع بحماية جيدة ضد معظم أشكال الهجوم التقليدية، فإن قصفًا نوويًا على حاملة طائرات لن يكون له نهاية كارثية لها أو لطاقمها. وهناك، بطبيعة الحال، المزيد من التهديدات لحاملات الطائرات. ولذلك، فإن أيام حاملة الطائرات يبدو أنها تقترب من نهايتها.
0 تعليق